يروج النظام السوري باستمرار بأنه "حامي
الأقليات" في
سوريا، في رسالة متكررة للغرب للتخويف من المصير المنتظر لهذه المجموعات في حال سقوطه. لكن هذه الدعاية واجهت رفضا من جانب بعض هذه الأقليات، مثل الدروز في السويداء، أو
الإسماعيليين في سلمية بريف حماة.
وفي هذا السياق، تناول مركز "الجمهورية الديمقراطية للدراسات"، في دراسة صادرة عنه بعنوان "الصراع في سلمية نموذج لتشكل المافيات في سوريا"، مفرزات الصراع السوري على مدينة "سلمية" التي تقع وسط البلاد، وتقطنها غالبية إسماعيلية، إلى جانب السنة، والعلويين الذين يقطنون أجزاء من أحياء المدينة الجنوبية وبعض القرى المحيطة.
وفيما تشير الدراسة إلى حالة "الوئام و الأمان المجتمعي" التي كانت تعيشها المدينة سابقا، بالظر إلى التنوع الطائفي الذي يرقى بالمدينة إلى حد اعتبارها "نموذجا" من أهم نماذج التعايش والتداخل الأسري فيما بين الطوائف السورية، حيث تجد ضمن العائلة الواحدة فردا إسماعيليا وآخر شيعيا وآخر سنيا، لفتت إلى الوضع الحالي الذي يهدد "حالة السلم الاجتماعي" بالانفجار.
ورأت الدراسة أن المدينة أمام منحى خطير بفعل مافيات موالية للنظام، تعيث فسادا في المدينة، حيث تحولت ميلشيا طائفية كانت تابعة للدفاع الوطني إلى طبقة مافيا تملك استقلالها حتى عن الدولة.
ولأن المدينة انخرطت مبكرا في الاحتجاجات السلمية ضد النظام منذ شهر آذار/ مارس 2011، فقد وصل حالها في الوقت الراهن إلى ما يشبه حالة "الكأس المقلوب" الذي يتسرب منه الماء، وفق وصف الدراسة.
وتحاول الأطراف الثلاثة المتمثلة بالنظام الذي يسيطر على المدينة، والمافيا التي استغلت ضعف النظام، والمجتمع "السلموني" (نسبة إلى سلمية) خلق حالة من التوازن لتخفيف تسرب المياه الذي لا يمكن أن يحل جذريا إلا بقلب الطاولة، وهو ما يعني تغير جوهري في قواعد الصراع السوري بشكل عام.
وبالنظر إلى الوضع الخدمي المتردي الذي تعيشه عموم المدن والقرى السورية، فإن الدراسة لم تضف شيئا جديدا في هذا الخصوص، حيث تحدثت عن مشكلات تعاني منها المدينة من بطالة وفقر، وغياب للمياه والكهرباء والمحروقات عن المدينة، بالإضافة إلى الهجرة وبيع العقارات.
وتعود الدراسة إلى بدايات القرن الماضي، وتحديدا إلى تاريخ بدء هجرة الإسماعيليين من قرى مصياف (جنوب غرب حماة) والقدموس (التابعة لمحافظة طرطوس)، إلى المدينة الواقعة في ريف حماة (جنوب شرق المدينة)، بعد اقتتال طائفي مع العلويين هناك، ورأت أن مفرزات الثورة قد أحيت تلك الحساسية السابقة.
وأرجعت الدراسة عدم تقديم المعارضة السورية السلاح للعناصر المقاتلة "الخجولة" في السلمية؛ إلى الحالة
الطائفية، وإلى ظهور توتر سني إسماعيلي بدءا بظهور "فصائل إسلامية متشددة"، من بينها تنظيم الدولة الذي لا تفصله عن المدينة في الوقت الحالي إلا عدة قرى من الجهة الشرقية للمدينة.
وبناء على هذه القراءة، تعتقد الدراسة أن ذلك ساهم في ظهور الطبقة "الرمادية" الحيادية في صفوف أبناء المدينة، وهي طبقة ترى في كل من المعارضة والنظام طرفان سيئان، ولذلك باتت القاعدة الشعبية تحجم عن التطوع في أي تشكيل مسلح، سواء ذاك التابع للنظام أو للمعارضة.
وبحسب ما رصدته الدراسة ميدانيا، يظهر ميل عدد من الناشطين في المدينة، بعد تحليل استراتيجيات كل من النظام والمافيا ذاتها والمجتمع المنهك، إلا أن الحل الوحيد الذي بين يدي أهالي المدينة هو الحماية الدولية لها. فلا المعارضة قادرة على فعل ذلك، ولا النظام الذي يدعي حماية الأقليات قادر على لجم المافيا التي تشكل جزءا أساسيا من النظام. وهكذا تكون المدينة أول مدينة تطالب بهذا الشكل من الحماية الدولية.
وبين إحجام أبناء المدينة عن الدخول في هذه التشكيلات وتفضيلهم لترك المدينة، وبين ضعف بنية النظام المترهل والمشغول بقتال "الشعب" الذي أعلن الخروج عن طاعته"، فقد تطور عمل اللجان التشبيحية التي دخلت المدينة بحجة الحفاظ على القانون ومحاسبة المفسدين إلى أعمال المافيا العالمية، وباتت تمارس الخطف لطلب الفدية بشكل موسع.
ويبدو جليا من خلال نظرة سريعة على هوية الجماعات المافيوية المنتشرة في المدينة؛ انتماء غالبية قادة هذه الجماعات للطائفة العلوية. وتأتي مجموعة "محمود عفيفة"، التي ينتمي عناصرها للطائفة العلوية، على رأس قائمة هذه الجماعات. فهذه المجموعة تمتلك ثلاث دبابات و20 مدفعا رشاشا من طراز "دوشكا"، بينما لا تغفل الدراسة الحديث عن تورط أسماء "إسماعيلية" وسنية أيضا.
وختم المركز دراسته بتوصيات من بينها، الطلب من النخب المتواجدة داخل المدينة بأن تطور استراتيجيتها، بينما طلبت من أقرانهم الذين خرجوا من المدينة بضرورة السعي لإيجاد سبل للضغط على المجتمع الدولي والنظام والمعارضة لدعم مطلب الأهالي.