ما إن قصفت المقاتلات الروسية أهدافا في الأراضي السورية حتى عمت حالة من "النشوة والفرح" في صفوف قوى
اليسار الأردني، التي "مانعت" في وقت سابق أي تدخل خارجي وانتهاك لسيادة الأراضي السورية من قبل قوات التحالف.
عندما يتعلق الأمر بـ"أبي علي بوتين" - كما يصفه اليسار- فإنها لا تمانع قيادات وقوى يسارية أردنية في تدخل موسكو وطهران، في حين أنها تبدي ممانعة بخصوص تدخل أمريكا وقوات التحالف، رغم أن الطرفين أعلنا أن مهمتهما في
سوريا هي "قصف تنظيم الدولة".. هذه الحالة لا يرى فيها الكاتب الأردني بسام بدارين إلا "انفصاما تعيشه بقايا حركات اليسار في الأردن".
يقول بدارين لصحيفة "
عربي21": "هذا شكل من أشكال الانفصام لدى الرفاق اليساريين، وهذا الانفصام قديم، خصوصا أن قوى اليسار لم يكن لها دور في الحراك السياسي والاجتماعي في الربيع العربي".
وأصبح " أبو علي بوتين" نجما في صفوف اليسار الأردني، يحتفون به على مواقع التواصل الاجتماعي وينشرون له صورا تظهر مدى قوته البدنية وصلابته، ويتداولون أغاني روسية تمجد "أبا علي".
ويرى بدارين أن هذا الاحتفاء "يأتي كجزء من الحيرة التي يعيشها اليسار الأردني الفاقد للعمق الاجتماعي، لتصبح قوى اليسار حليفة للأنظمة الرسمية في قمع الإسلام المعتدل".
ويستغرب "كيف يصفق اليسار لبوتين الذي جاء إلى المنطقة لمصالحه الشخصية ومصالح
روسيا، وليس لإنصاف اليسار ومساعدته أو لتحرير الشعب السوري"، قائلا إن "التصفيق للعملية العسكرية الروسية من زاوية أنها إعادة لمجد المنجل والحزب الشيوعي السوفييتي، هذا أقرب إلى التسحيج وليس تصفيقا مبنيا على معلومات حقيقية".
ويؤكد بدارين أن "موسكو تركض وراء مصالحها في المنطقة وخصوصا في ما يتعلق بالنفط والغاز والموانئ على المتوسط، وثمة مصالح لها علاقة بتنافس شركات صناعة الأسلحة والذخيرة".
اليسار يحتفي بالتدخل الروسي بندوة سياسية
وفي ندوة "يسارية" غلب عليها الطابع الموالي للنظام السوري ونظرية "الحرب الكونية" على سوريا، حاول سياسيون وحزبيون أردنيون تفسير أسباب الاندفاع الروسي للمشاركة العسكرية في سوريا.
"الحليف وقت الضيق".. ومن هذا المنطلق يرى أمين عام حزب الوحدة الشعبية سعيد ذياب (يساري) أن "التدخل الروسي يُفهم من باب العلاقات الروسية السورية التاريخية الاستراتيجية الممتدة عبر عشرات السنوات"، مستشهدا بـ"فرنسا التي كانت تحارب فرنسيين واستعانت بقوات التحالف لنصرتها في الحرب العالمية الثانية".
وقال ذياب في الندوة التي نظمها حزب الوحدة الشعبية تحت عنوان "تداعيات التدخل الروسي عسكريا"، أن "الروس بذلوا على امتداد الفترة الماضية جهودا من أجل الوصول للحل السياسي، لكن الغرب لم يرد هذه الحلول، حيث اختار تدمير سوريا".
" كسر هيمنة القطب الواحد"
ويعتقد ذياب أن التدخل الروسي في سوريا "بدايات مرحلة تؤسس لعالم متعدد الأقطاب، سيفرض خلق نظام دولي جديد في وقت كانت فيه القوى الإمبريالية تدفع بإحكام قبضتها على المنطقة".
ويقول ذياب إن "الروس استعادوا الاقتصاد والوجود العسكري، حيث لم تعد الولايات المتحدة الأمريكية القطب الوحيد المتنفذ، بعد ما بدأت قوى بالعالم تفرض نفسها بالحق في المشاركة بحل المشاكل الدولية".
ويؤكد أن "فلسفة الجيل الرابع للحروب تتمثل بخلق استنزاف للدولة بحيث تصبح جاهزة لأي شرط"، مؤكدا أن "الروس فضلوا التدخل لضرب المجموعات الإرهابية التي تشكل خطرا عليها، خصوصا أن جزءا كبيرا من هذه الجماعات جاءت من الشيشان، إذ رأى الروس من باب أولى المحاربة في دمشق للدفاع عن موسكو".
ولا يقلل خبير الجماعات الإسلامية الدكتور حسن أبو هنية في حديث سابق لصحيفة "
عربي21" من أن "موسكو توجه ضربة استباقية للجماعات الشيشانية في سوريا، خصوصا مع تأسيس ولاية على حدود روسيا تدعى بولاية القوقاز الإسلامية".
عوامل اقتصادية وراء التدخل الروسي
بدوره، يرى المحلل والخبير الاقتصادي فهمي الكتوت (يساري)، أن "التدخل الروسي في سوريا تقف وراءه مصالح اقتصادية" بعد أن نجحت دول عديدة ومن بينها الصين بتحطيم الجدار الذي بنته الإمبريالية لخلق دول مستهلكة وأخرى منتجة رأسمالية".
ويقول الكتوت إن "حلفا تشكل من دول البريكس التي أصبحت كتلة رئيسة مع المراكز الرأسمالية في هذا الصراع، ما دفع أمريكا للهجوم على رأس هذا الحلف السياسي المتمثل بروسيا ورأسه الاقتصادي المتمثل بالصين".
ويؤكد الكتوت أن ما يجري في سوريا "هو دفاع عن النفس بالنسبة لروسيا، بسبب وجود مصالح سياسية واقتصادية مشتركة، بعد أن قامت الدول الإمبريالية بتجريد روسيا من قدرتها الاقتصادية المبنية على الغاز، وبعد ضرب اقتصاد الدولة الاتحادية من خلال عملية تخفيض أسعار النفط، وبالتالي فإن موسكو ترى أن إغلاق سوريا في وجهها يعني أن الغاز القطري سيكون هو البديل عن الروسي في أوروبا".
حرب مصلحة
الوزير والنائب الأردني الأسبق ممدوح العبادي، يرى أيضا أن "التدخل الروسي في سوريا جاء لحماية مصالحها في المنطقة، ولم يأت نصرة للعرب"، ويقول في كلمة له خلال الندوة: "لم يبق لروسيا إلا سوريا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، لذا فإن مصلحتها كبيرة في سوريا كونها تريد أن تدخل على المياه الدافئة (البحر الأبيض المتوسط)، وللتصدي للمشاريع المخطط لها كمد خط أنبوب الغاز القطري الذي كان من المزمع أن يمر من سوريا إلى تركيا فأوروبا، ما يعني ضربة جديدة للاقتصاد الروسي".
ويعد العبادي "تدخل روسيا قضية حياة أو موت وليس حبا في العرب، لعدة عوامل منها: المعركة الاقتصادية التي أديرت بواسطة السعودية والخليج لإسقاط الروبل الروسي من خلال تخفيض ثمن البترول، بالإضافة إلى تخوف روسيا من عودة آلاف المسلحين الشيشان؛ كل هذه المصالح المشتركة لروسيا جعلتها تفكر جيدا، وتفاجئ الجميع بدخولها عسكريا وتقلب الطاولة على الجميع، كما قال وزير خارجية سوريا وليد المعلم".
ويرى الوزير السابق أن "صدمة التدخل الروسي أربكت الولايات المتحدة الأمريكية أيضا، ولم يستطع الرئيس الأمريكي أوباما فعل أي شيء؛ بسبب شخصيته المدنية بعكس الجمهوريين، حيث جاء إلى الانتخابات تحت شعار سحب الجيش الأمريكي من العراق وأفغانستان".
ويقول العبادي: إن "سياسة الرئيس الأمريكي تقوم بالذهاب إلى حافة الحرب والوقوف عندها".
تدخل روسي في الرمق الأخير
الكاتب المتخصص في الشأن السوري منار الرشواني، يرى في حديث لصحيفة "
عربي21" أن التدخل الروسي في سوريا جاء بعد "أن ظهر بشكل واضح قرب انهيار نظام بشار الأسد خصوصا في البيئة الاجتماعية الحاضنة له، وترافق ذلك مع حالة تململ روسي من الهزائم المتواصلة للنظام، والتخوفات من انهياره بشكل مفاجئ".
ويقول الرشواني إن روسيا تسعى "لإبقاء
نظام الأسد لأطول فترة ممكنة؛ كي لا تظهر بمظهر من يقدم تنازلات، خصوصا أن روسيا تدعم تقريبا دول دكتاتورية ولا تريد أن يتكرر مشهد فرار الرئيس الأوكراني السابق".
أما بخصوص الموقف الأردني من التدخل الروسي، فأجمع المحللون على أن الموقف الأردني موقف رمادي، لم يدن أو يؤيد التدخل الروسي، لحين انتظار نتائج المعارك، بالرغم من وجود إشارات لصالح روسيا، "كاستقبال رئيسة البرلمان الروسي في عمان والإشادة بالعلاقات الأردنية الروسية".