أخطر ما يصيب الجسد هو الداء الذي يكون من داخله، فكل داء من خارج الجسد يسهل علاجه، لكن الذي يحتاج إلى طول جهد وعناء في مكافحته هو الداء الذي يكون مستوطنا داخل الجسد، وأخطرها هو الخلايا السرطانية التي تعشش في جسد الإنسان، حتى تودي بحياته، والكيانات والجماعات في هذا القانون شأنها شأن الأفراد.
أقول هذا الكلام، لأن أخطر الأمراض التي تصيب كياننا الذي نقاوم به الانقلاب، هو وجود خلايا سرطانية اقتحمت أجسادنا، متمثلة في أشخاص لا همّ لهم ولا دور سوى إفساد هذا الجسد الثوري، وهو ما نبه إليه الكاتب الكبير الأستاذ وائل قنديل، بعنوان: (طحالب
دعم الشرعية).
فقد انطلى على العامة والجماهير اصطفاف هذه الفئة معنا في اتجاه واحد، هو مقاومة
الانقلاب العسكري في
مصر، ولكنها تخدمه أكبر خدمة في حياته، فهي من أكبر عوامل بقائه واستمراره.
علينا أن نعترف بأن معظم هذه الكيانات السرطانية نشأت بيننا، لكن ليست بيدنا، فقد فوجئنا بعد الانقلاب العسكري في مصر، بقناة الجزيرة وقنوات ما يعرف بالشرعية، تستضيف عددا من الناس، سواء من باب العمل بها، أو من باب الاستضافة، وليس لنا رأي في اختيار من يمثل الشرعية، وهو مدخل سهل اختراق جسد الشرعية بهذه الخلايا السرطانية، فيكفي لأي أحد يتكلم عن العسكر والسيسي بالمخالفة، يهلل له الناس، ثم ينال ثقتهم، وبعدها يبدأ دوره المشبوه، بالتشكيك والتخوين في شرفاء لا يختلف أحد على نزاهتهم، ولو من باب زعزعة ثقة الناس فيه، وصنع حالة من البلبلة والتطاول على هذه الرموز.
بكل حياد وإنصاف راجعوا ما يكتبه أو يقوله بعض هؤلاء، ستجدونه لا يؤثر مقدار شعرة في الانقلاب، ولا في تفتيت صفه، بل إن كل كلام هؤلاء ليس له أي أثر، إلا التشكيك والوقيعة في صفوف الشرعية.
فعندما تجد أحدهم له صفحة للحديث عن عالم العسكر، متناولا
الجيش المصري كله بأنه عميل، دون تمييز لمن باع منهم، ومن كان وفيا لوطنه، وجعل الجميع في سلة واحدة، وأن أم كلثوم صناعة يهودية، في وقت كانت صناعة السينما يقوم بها بعض اليهود في مصر، كل ذلك يجعل خطابنا موضع سخرية من كل متخصص، أو تناول قضايا عن العسكر في مصر فيبني القضية على معلومة صحيحة، لكن ينسج حولها كمية من الخيالات والسطحية، تنسف ما يقوم به، فيعطي مادة ثرية لرجال العسكر لتسفيه كل رجال الشرعية، أليس ذلك أمرا مقصودا، وخلية سرطانية واضحة هدفها ضرب كل الجسد بدائها؟!
إن أخطر ما في هذه الخلايا السرطانية أنها عائق كبير أمام أي جهد يبذل، لتجميع قوى الثورة المصرية، فكلما قام جهد يجمع الناس، تحيي هذه الخلايا السرطانية نعرة معينة تثير أحداثا مضى عليها زمن كانت عائقا عن توحيد القوى، وهذا يذكرنا بعمل عبد الله بن أبي بن سلول في المدينة، فكلما تآخى المسلمون، سلط أحد أتباعه يذكر الأوس والخزرج بما كان بينهما في أيام الجاهلية، حتى رفعوا السيوف في وجه بعضهم بعضا، ولا يزال ابن سلول بيننا بفكره وسلوكه.
وهذه الخلايا السرطانية تقف أمام أي فكرة يفكر فيها أي إنسان مخلص، ومن أسهل ما تفعله إشهار سيف الحرص على الشرعية، موهمين الناس أنهم هم الأمناء على الثورة، بينما يقومون بتخوين من قاموا بالثورة، وقت كان هؤلاء داخل جحورهم يؤثرون السلامة.
والخطير في الأمر، إحجام البعض عن كشف هؤلاء، وتعريتهم تماما أمام الجماهير، بكل وضوح، وأن هذه الخلايا السرطانية دخيلة على جسد الشرعية والثورة، كي يحذرها الناس جيدا، ولا ينطلي عليهم ما يقومون به من مزايدة وخداع، وإلا سيأتي علينا يوم نتحسر ونتلاوم على تركنا لهذه الخلايا التي يمكن عزلها تماما عن الجسد الثوري، فالتهاون مع هذه الخلايا سيفسد المناخ والجسد الثوري، دون خشية منهم، ولا من أصواتهم النشاز، ولا من صياحهم بغية إرهاب كل من يكشف زيفهم، ومتاجرتهم.