نشرت صحيفة "المانيفستو" الإيطالية تقريرا، حول الصراع بين رئيس الوزراء
العراقي، حيدر
العبادي والبرلمان، بخصوص مكافحة
الفساد والمحسوبية، قالت فيه إن رئيس الوزراء السابق نوري
المالكي ما زال
يتحكم في الأحداث من وراء الستار، وهو ما يجعل القضاء على الفساد مهمة مستحيلة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن شبح نوري المالكي لم يترك العراق وشأنه، وهو شبح يهدد اليوم بإغراق العراق في المزيد من المشاكل والفساد، لأنه بعد سنة كاملة من مغادرته لمنصبه وتعويضه بحيدر العبادي، لا يزال يتحكم في خيوط السياسة العراقية الداخلية.
وأضافت أن هذا التأثير الخفي للمالكي؛ ظهر الإثنين الماضي، عندما صوت البرلمان بالإجماع ضد مبادرة لرئيس الوزراء، تتضمن حزمة من الإصلاحات الهادفة لتفكيك شبكة الفساد التي تنخر مؤسسات الدولة.
وعبر 328 نائبا عن استعدادهم لمناقشة الإصلاحات والتصويت عليها، ولكنهم لن يقوموا بمنحها الضوء الأخضر إذا لم تتم استشارتهم في صياغتها.
وذكرت أن المالكي نجح في "إقناع" 60 نائبا من ائتلاف دولة القانون، وهو حزب حيدر العبادي، بمعارضة المقترح والتهديد بإجراء تصويت لحجب الثقة عن الحكومة إذا لم تتم الاستجابة لطلب البرلمان بإجراء مشاورات أوسع.
وبحسب الصحيفة، فإن فهم أسرار هذه التجاذبات السياسية، يتطلب العودة قليلا إلى الوراء، والنظر إلى شبكة المناصب السياسية والإدارية التي نسج خيوطها رئيس الحكومة السابق نوري المالكي، بدعم من الولايات المتحدة التي تعمدت تركيز نظام حكم يقوم على توزيع السلطات على أساس طائفي في العراق، على غرار النموذج اللبناني.
ومن الأمثلة على ذلك بعث مناصب عديدة على غرار نواب الرئيس ونواب رئيس الوزراء، وانتداب عدد مهول من الموظفين الحكوميين، ما مكن المالكي من تركيز نظام عصابات ودولة موازية للدولة في العراق. وذكرت الصحيفة أن من بين المقترحات التي قدمت للحد من الفساد وإهدار المال العام، هي إلغاء مناصب نواب الرئيس ونواب رئيس الوزراء، وتخفيض يصل إلى 45 بالمئة بالنسبة لرواتب أعضاء البرلمان، ويصل إلى 20 بالمئة بالنسبة للموظفين الحكوميين، والاستغناء عن المسؤولين الفاسدين الذين يفتقرون للكفاءة.
وهي إصلاحات يفترض أن تساعد البلاد للنهوض والخروج من نفق الفساد المدستر الذي يسيطر على كل هياكل الدولة، والمحسوبية وانعدام الكفاءة التي تعاني منها كل مؤسسات البلاد.
واعتبرت الصحيفة أن هذه المشاكل هي التي عطلت إعادة بناء الدولة، وإصلاح البنية التحتية، وتحريك عجلة الاقتصاد، وخلق شبكة من الخدمات المقدمة للمواطن، تفاديا لمزيد من الاحتقان الاجتماعي الذي يمهد لتقدم تنظيم الدولة في الغرب.
وأكدت أن غياب الشفافية والممارسات غير القانونية التي تشوب السياسات العامة؛ تحظى بحماية من قبل عالم خفي من السلطات غير الرسمية، التي تستعمل مؤسسات الدولة لتوزيع الرشاوى و"المجاملات" وشراء الولاءات.
وأمام سطوة هذا النظام خرج آلاف العراقيين للشوارع في شهر آب/ أغسطس وأيلول/ سبتمبر لماضي، في بغداد وفي مدن شيعية عدة، على غرار الناصرية والبصرة والنجف. تحدوا قمع الشرطة وحرارة الشمس الحارقة، ليحتجوا على الفساد الممنهج، ويطالبوا بتوزيع عادل للثروات، وسياسات تشجع على خلق فرص عمل جديدة، ومحاربة الفساد.
واعتبرت الصحيفة أن الموقف الأخير للبرلمان؛ لا يؤثر فقط على حيدر العبادي الذي ضعف موقفه كثيرا بعد أن صوت نواب حزبه ضده، بل يؤثر على الشعب الذي سيواصل دفع ثمن ثماني سنوات من حكم المالكي، بنى خلالها سلطة فساد أقوى من سلطة الدولة ونجح في فرض سياسة الأمر الواقع.
وتساءلت الصحيفة: كيف يمكن للعبادي طرد 130 من كبار المسؤولين، وهم ينتمون لنظام متكامل وصلب من الولاءات والنفوذ، أسسه نوري المالكي ليضمن لنفسه السلطة والثروة حتى بعد خروجه من منصبه؟
وأشارت إلى التقرير الصادم الذي أصدرته لجنة النزاهة في مجلس النواب، التي أكدت أن حوالي 500 مليار دولار تبخرت خلال سنوات حكم المالكي، نصفها حصل عليها العراق من بيع النفط الخام والمساعدات الدولية لإعادة إعمار البلاد. وهو مبلغ خيالي، وصفت اللجنة اختفاءه الغامض بأنه "أكبر قضية فساد في التاريخ، تورط فيها حوالي 600 مسؤول حكومي، من بينهم وزراء ونواب ومدراء عامون، بعضهم مدان بـ130 سنة سجنا.
وفي الختام، فقد أشارت الصحيفة إلى أن ورم الفساد الذي يفتك بالعراق، وجد فرصة لينتشر أكثر بفضل الصراع السياسي داخل الحزب الحاكم، ائتلاف دولة القانون، الذي يقوده في الواقع نوري المالكي، الذي لم يغادر منصب رئاسة الوزراء إلا بعد التعرض لضغط كبير من الولايات المتحدة وآية الله السيستاني، وهي معركة داخلية يحذر كثيرون من أنها قد تفضي إلى انقلاب داخلي يطيح بحيدر العبادي.