لم يحاول مؤيدو الانقلاب في
مصر إخفاء مشاعر الشماتة في التفجيرات التي ضربت العاصمة الفرنسية
باريس مساء الجمعة الماضية وراح ضحيتها العشرات بين قتيل وجريح، بل أعربوا دون مواربة عن تشفيهم وسعادتهم بمعاناة فرنسا من
الإرهاب كما تعاني مصر، على حد قولهم.
وردد كثير من أنصار النظام، عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، رسالة واحدة، فحواها "لسنا وحدنا الفاشلين في حفظ الأمن والتصدي للإرهاب فأنتم أيضا فاشلون مثلنا".
وكانت العاصمة الفرنسية شهدت مساء الجمعة هجمات متزامنة في عدة مناطق أسفرت عن مقتل أكثر من 130 شخصا وإصابة 200 آخرين.
وتعرضت مصر خلال الأسبوعين الماضيين لانتقادات غربية حادة واتهامات بالتقصير في تأمين المطارات بعد تحطم الطائرة الروسية فوق سيناء أواخر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي وإعلان تنظيم ولاية سيناء مسؤوليته عن تفجيرها.
وفرضت معظم الدول الغربية حظرا على السفر إلى مصر، كما قررت روسيا - الحليف المقرب من قائد الانقلاب عبد الفتاح
السيسي - منع الطائرات المصرية من الهبوط في مطاراتها لحين مراجعة إجراءات التأمين والسلامة المتبعة في المطارات المصرية.
فرصة للسيسي
ويقول مراقبون إن النظام المصري يعد من أكثر المستفيدين من هجمات باريس، حيث بدء في استغلالها بانتهازية فجة، ليرد الصاع للغرب الذي كال الاتهامات لمصر بعد سقوط الطائرة الروسية، وجاءت التفجيرات كفرصة سانحة ليقول للغرب "أرأيتم؟ لا أحد محصن، ها هو الإرهاب يضرب قلب فرنسا الدولة الأوربية القوية".
وتوقعوا أن تصب الهجمات الأخيرة في مصلحة السيسي، حيث ستخفف كثيرا من حملة الانتقادات الغربية ضده، أو على الأقل تصرف الأنظار عن متابعة جوانب التقصير في المنظومة الأمنية المصرية.
كما استغل الإعلام المؤيد للسيسي تفجيرات باريس في تقريع الدول الغربية على طريقة "ألم نقل لكم"، وأعاد نشر مقاطع من خطابات سابقة للسيسي يحذر فيها من امتداد الإرهاب إلى أوربا وغيرها من البلاد الغربية.
وذهب الإعلامي المثير للجدل أحمد موسى أبعد من ذلك، بعدما تنبأ بتعرض بريطانيا والولايات المتحدة لهجمات إرهابية مماثلة قريبا بسبب دعمهما للإرهابيين، على حد قوله.
تبرير القمع
وفي إطار ردود الفعل الرسمية على تفجيرات باريس، قالت رئاسة الجمهورية في بيان أصدرته، وتلقت "
عربي21" نسخة منه، إن السيسي بحث مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، هاتفيا مساء السبت، تطوارات الأحداث، وأعرب عن دعم مصر لفرنسا في تلك الجرائم "الدنيئة والجبانة".
لكن أنصار النظام استغلوا الأحداث في تبرير الممارسات القمعية التي تشهدها مصر منذ الانقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي في تموز/ يوليو 2013، حيث تساءلوا عن أسباب تقبل العالم لإعلان حالة الطوارئ في فرنسا عقب الهجمات ورفضه الخطوة ذاتها في مصر.
وقالت صحيفة "اليوم السابع" في تقرير لها الأحد، إن الإجراءات الاستثنائية هي السلاح الذى تلجأ إليه الدول في مواجهة التهديدات الإرهابية لحماية شعبها، فلماذا يكيل الغرب بمكيالين عندما تفعل مصر ما يفعله الغرب؟
وأورد التقرير قائمة بالإجراءات الاستثنائية التي اتبعتها أوروبا والولايات المتحدة عقب الهجمات الإرهابية وتقييد الحريات، وسلب المتهمين حقوقهم القانونية، ومنح رجال الأمن سلطات واسعة للتنصت واعتقال المشتبه فيهم دون إذن قضائي.
لكن مؤيدو السيسي تجاهلوا عن قصد - على ما يبدو - أن تلك الإجراءات تكون لفترة محددة وعلى أضيق نطاق، وتطبق على جميع المواطنين دون استثناءات، على نقيض ما تمارسه الأنظمة القمعية في مصر منذ عقود طويلة، بحسب مراقبين.
حفلة شماتة وسخرية
وعلقت صحيفة "الأهرام" شبه الحكومية على الأحداث بعنوان مليء بالشماتة حيث كتبت "فرنسا تفوز على ألمانيا بثنائية وديا.. والإرهاب يسجل سبعة أهداف في باريس" في إشارة إلى عدد الهجمات التي نفذها الإرهابيون في تلك الليلة.
وبعد أن أثار العنوان غضب مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي والعديد من الصحفيين والإعلاميين، اضطرت "الأهرام" لتغيير عنوان التقرير الذي نقلته عن وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية، لكنها احتفظت بمضمون العنوان القديم داخل متن التقرير.
ولم تكن "الأهرام" ووكالة الشرق الأوسط وحدهما اللتان وقعتا في مستنقع الشماتة، بل إن غالبية الصحف والمواقع الإلكترونية المؤيدة للانقلاب فعلت الشيء عينه، وتعمدت ذكر نتيجة مبارة كرة القدم أولا قبل الحادث الذي تسبب في مقتل وإصابة المئات.
كذلك امتلأت حسابات وصفحات الإعلاميين والسياسيين المؤيدين للانقلاب بمئات التعليقات الشامتة في تفجيرات باريس، الذين عبروا عن سعادتهم بشكل واضح مما جرى.
وتصدرت الإعلامية لميس الحديدي قائمة الشامتين، وكتبت عبر "تويتر": "عاوزين نبعت لجنة تفتش على المطاعم في باريس، كده قلق"، في إشارة إلى لجان التفتيش التي أرسلتها بريطانيا وروسيا لمراجعة إجراءات التأمين في المطارات المصرية.
وبعد موجة كبيرة من الهجوم على الحديدي جراء هذه التغريدة اضطرت إلى كتابة توضيح حيث قالت "طبعا لا شماتة، نحن أيضا ضحايا الإرهاب، أقارن فقط بين الموقفين".
وعلق مناهضون للانقلاب على هذه الشماتة بقولهم إنهم لم يفاجئوا بدناءة مؤيدي السيسي الذين فرحوا ورقصوا على جثث أقاربهم وأبناء وطنهم في رابعة وغيرها من المذابح، فليس غريبا أن يفعلوا الشيء نفسه مع الأغراب.