نشر موقع صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرا لنيكولاس بلانفورد، قال فيه إنه يبدو أن
تنظيم الدولة بإطلاقه مجموعة هجمات مدمرة في السماء المصرية وفي بيروت وفي باريس، شرع في استراتيجية جديدة لمهاجمة أعدائه.
ويستدرك التقرير بأن هذه الاستراتيجية تحمل معها مخاطر، فقد اختار التنظيم محاربة مجموعة من الأعداء الأقوياء القادرين على تهديد "خلافته"، البالغة من العمر 18 شهرا، التي تمتد على مساحة كبيرة في سوريا والعراق.
وتذكر الصحيفة أن التنظيم أعلن مسؤوليته عن وقوع الطائرة الروسية والهجوم الانتحاري المزدوج في بيروت والهجمات في باريس. وقد قتل 400 شخص وجرح 600 خلال أقل من أسبوعين. وتسببت الهجمات في إعلان الحرب على التنظيم من باريس، ووعد بإطلاق حملة مطاردة عالمية من موسكو.
ويلفت بلانفورد إلى أن التنظيم خسر في الأسابيع الأخيرة أراضي كان يسيطر عليها، ما ولد "أزمة" داخل صفوفه، بحسب دبلوماسي غربي يملك نقطة اتصال داخل التنظيم. واستنتج المحللون بأن الهجمات في مصر ولبنان وفرنسا عكست درجة من التطور، وغالبا ما يكون تم التخطيط لها على مدى أشهر. وتشير الهجمات أيضا إلى قرار استراتيجي أكثر منه ردة فعل للنكسات التي مني بها في الميدان.
ويبين التقرير أن التنظيم يواجه أكبر ضغط عليه في سوريا و العراق، منذ إعلانه قيام "الخلافة" في حزيران/ يونيو 2014. فقد شهد في الأسابيع القليلة الماضية تراجعا في شمال غرب سوريا في محافظة حلب، بما في ذلك قاعدة جوية حاصرها التنظيم لمدة عام. وفي محافظة الحسكة الشرقية، حيث تقاتل المليشيا العربية الكردية. كما أن القوات الكردية طردت تنظيم الدولة من مدينة سنجار الاستراتيجية على الطريق الرئيسي الذي يربط الرقة بالموصل.
وتنقل الصحيفة عن كبير الباحثين في معهد كارينغي في بيروت يزيد صايغ، قوله: "مع هذا الضغط كله يجب أن يكون هناك تراجع إلى حد ما، ولكن واضح أنهم لا يزالون قادرين على القتال".
ويجد الكاتب أن تنظيم الدولة، على غير شاكلة المجموعات المقاتلة، فإنه يعلن نفسه دولة، ولديه مكان يستطيع أعداؤه استهدافه، والآن تكثف كل من أمريكا وروسيا وفرنسا غاراتها الجوية.
ويورد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، نقلا عن مؤلف (إيسيس أبوكاليبس) ماكانتس قوله: "هنا أين يخطئ الجهاديون العالميون"، ويذكر عدة أمثلة لجهاديين حاولوا إنشاء مناطق إسلامية؛ مشيرا إلى أن تنظيم
القاعدة في اليمن أقام عدة إمارات في جنوب اليمن في بدايات 2011، وخلال عام واحد قامت القبائل بدعم أمريكي ضد الحكم القاسي لتنظيم القاعدة، وفي شمال مالي تمت إقامة دولة انفصالية في عام 2012، من فرع آخر لتنظيم القاعدة، وسقطت تلك الدولة بعد عام بدخول القوات الخاصة الفرنسية، وكذلك كانت تجربة الشباب في الصومال، حيث سقطت دولتهم على يد القوات الكينية والاتحاد الإفريقي.
وتشير الصحيفة إلى أن التنظيم بدا حتى وقت قريب حريصا على ألا يستثير أعداءه بمهاجمة "دولته" مباشرة، وكان حريصا على السيطرة على الأراضي والحكم، أكثر من الانضمام للثوار السوريين في حربهم ضد نظام الأسد؛ مبينة أنه قد نشأ عن هذا الترتيب المؤقت، أن تنظيم الدولة من جهة، والنظام السوري وحلفاءه الروس والإيرانيين من جهة أخرى، أهمل أحدهما الآخر في ساحة المعركة. وفي الواقع كان مقاتلو التنظيم والجيش السوري حلفاء بحكم الواقع، حيث كانا يقاتلان مجموعات الثوار ذاتها.
ويقول ماكانتس إن تنظيم الدولة "استفاد من تركيز نظام الأسد وروسيا وإيران على مجموعات ثوار أخرى، ويبدو أن هذا انتهى، وهم الآن يقاتلون الأعداء كلهم، وهذا كونه طرفا خارجيا يبدو فكرة سيئة جدا، إن كنت تريد الحفاظ على أراض للدولة".
وينقل بلانفورد عن فيصل عيتاني، الذي يعمل باحثا مقيما في مركز رفيق الحريري التابع لـ"أتلانتك كاونسل" قوله، إنه من ناحية أخرى يمكن أن يرى تنظيم الدولة وضعا لحالة رابح – رابح. ويضيف عيتاني: "إذا نظرنا إلى خطابات
الغرب وفعله، نجد أن القوى الغربية سلمت بأن القضاء على تنظيم الدولة غير ممكن، في حدود المخاطرة والمصاريف التي هي على استعداد أن تتحملها. وواضح أن الاستراتيجية هي استراتيجية احتواء".
ويتابع عيتاني قائلا: "فإن منع الغرب من (ضربه) فإنه يكسب، وإن استفز الغرب سيحصل أحد أمرين: أن يقوم الغرب بشن
غارات جوية ويقتل مسلمين سنة، ولا يحقق هنا شيئا، ولا مشكلة للتنظيم مع ذلك. أو أن يقوم الغرب بالغزو، وهذه هدية تجنيد للتنظيم".
ويفيد التقرير بأنه بحسب مصادر مخابرات غربية، فإن قيادة تنظيم الدولة تقوم بتنسيق أنشطتها العسكرية من غرفة عمليات تحت الأرض خارج الرقة، والغرفة عبارة عن حاويات شحن مدفونة تحت الأرض تغطيها أتربة وإطارات سيارات. وفي الرقة ذاتها حفر المقاتلون أنفاقا وأنشأوا ملاجئ لتجنب الغارات الجوية، ويجهزون أنفسهم لاجتياح بري من القوات الكردية العربية التي تدعمها أمريكا.
وتختم "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرها بالإشارة إلى قول دبلوماسي غربي: "إن تم طرد تنظيم الدولة من أرضه، فستنتشر قواته المسلحة جيدا في كل مكان في المنطقة، وقد تصل إلى أوروبا أيضا، وسيقومون بأكبر موجة إرهاب رأيناها إلى الآن".