أعلنت وزارة الداخلية
المصرية عن تكوين لجان لمواجهة تزايد ظاهرة
التعذيب داخل أقسام الشرطة، في محاولة للرد على الانتقادات والضغوط التي تتعرض لها الشرطة بعد مقتل العديد من المواطنين داخل أماكن الاحتجاز.
ولم يكن الغريب في الأمر فقط أن الداخلية هي الجهة التي ستتصدى لمواجهة التعذيب رغم أنها المتهمة بارتكابه، بل إن الأغرب أن الوزير كلف قيادات جهاز
الأمن الوطني (أمن الدولة سابقا) بالإشراف على ذلك الجهاز، وهو أكثر قطاعات الداخلية المتهمة بممارسة التعذيب بحق المعارضين السياسيين، حتى أن أفراده أصبحوا خبراء في مجال التعذيب، كما يقول حقوقيون.
وكان وزير الداخلية مجدي عبد الغفار قد أعلن في مؤتمر صحفي عقده منذ ثلاثة أيام عن تكوين ما أسماه "نقابات رقابية نوعية" لمتابعة أداء الضباط ورصد أية تجاوزات تقع منهم، ومنع أية تجاوزات فردية أو عمليات تعذيب للمواطنين داخل الأقسام.
يتمتعون بسمعة طيبة
وأشارت صحيفة "اليوم السابع" إلى أن هذه اللجان الرقابية ستقوم بمراقبة كل العاملين في الداخلية دون استثناء بكافة قطاعات الوزارة، على أن يترأس تلك اللجان قيادات أمنية تتبع الوزير مباشرة، موضحة أن اللجان ستضم قيادات من الأمن الوطني والأمن العام وقطاع التفتيش، ممن يتمتعون بسمعة طيبة وتاريخ مشرف بالوزارة.
ومن المتوقع أن يكون لتلك اللجان فروع في مديريات الأمن بالمحافظات المختلفة تقوم بفحص البلاغات التي تقدم حول وقائع التعذيب وتقوم بالتحقيق فيها واستدعاء المجني عليهم والمتهمين بالتعذيب من الضباط لمعرفة ما إذا كانت حقيقية أم مختلقة، قبل إرسال تقرير لها إلى وزير الداخلية شخصيا دون أن يطلع أحد عليها أو يعرف النتيجة التي توصلت لها.
لكن مراقبين ومدافعين عن حقوق الإنسان قللوا من أهمية هذه الخطوة، التي تجعل من وزارة الداخلية خصما وحكما في الوقت ذاته، كما أنها تلغي دور القضاء وتهمش دور الجهات الرقابية القائمة بالفعل مثل المجلس القومي لحقوق الإنسان.
وتوقع آخرون ألا تثمر هذه اللجان عن أي تغيير حقيقي في نمط رجال الشرطة التي تعتمد على التعذيب والاعتداء البدني وسوء المعاملة والاحتجاز دون تهمة للحصول على المعلومات ونزع الاعترافات من المتهمين والمشتبه بهم سواء كانوا جنائيين أم سياسيين.
وخلال السنوات الخمس التي تلت ثورة يناير 2011 لم تشهد أية قضية تعذيب توقيع عقوبات رادعة على المتهمين من ضباط الشرطة الذين نجحوا جميعا في الإفلات من المحاسبة حيث انتهت مئات القضايا بجزاءات مخففة مثل النقل من مكان العمل إلى مكان آخر، أو الوقف عن العمل لعدة أسابيع أو السجن مع إيقاف التنفيذ.
وفاة معتقلين جراء الإهمال الطبي
ولم يعد الضرب والاعتداء البدني هو وسيلة التعذيب الوحيدة في أماكن الاحتجاز بمصر، بل أضيفت له في الشهور الأخيرة وسيلة جديدة هي الإهمال الطبي والحرمان من العلاج، وهو ما أدى إلى مصرع عشرات المعتقلين.
وتوفي أحد المعتقلين السياسيين أمس الجمعة داخل سجن بالدقهلية بسبب الإهمال الطبي من قبل إدارة السجن التي منعت نقله للمستشفى لإجراء عملية الزائدة الدودية له.
وقال أقارب المعتقل "محمد عوف سلطان" الذي يبلغ من العمر 42 عاما، إنه تعرض لارتفاع شديد في درجة الحرارة وانفجار الزائدة الدودية داخل جسده ما أدى إلى تسممه ووفاته داخل المعتقل ليصبح المعتقل الثالث عشر الذي يلقى مصرعه نتيجة الإهمال الطبي داخل سجن المنصورة.
وفي الجيزة، لقي سجين بقسم شرطة الهرم مصرعه بعدما تأخر القسم في نقله للمستشفى لتلقي العلاج، وقال المسؤولون إنه قتل إثر تناول جرعة زائدة من المخدرات.
ولقي معتقل في قسم شرطة أبو النمرس بجنوب الجيزة مصرعه أمس الجمعة نتيجه الإهمال الطبي ورفض تلقيه العلاج المناسب.
وطالب المجلس القومي لحقوق الإنسان (جهة حكومية) وزارة الداخلية بالموافقة على تشكيل لجنة طبية متخصصة يشرف عليها المجلس لتوقيع الكشف الطبي على المحتجزين بالأقسام والسجون المختلفة وتحويل الحالات الخطرة إلى المستشفيات لتلقي العلاج.
لكن مسؤول بالداخلية أكد رفض الوزارة ذلك الطلب مبررا ذلك بوجود أطباء ومستشفيات مجهزة داخل
السجون، مشددا على أن الداخلية لا تقبل تدخل المجلس في عملها عبر وجود لجنة طبية من خارج مصلحة السجون لمتابعة الحالة الطبية للسجناء.
وقتل نحو 97 معتقلا خلال الفترة من أول كانون الثاني/ يناير 2015 وحتى نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي، بينهم 59 شخصا جراء الإهمال الطبي و24 نتيجة التعذيب البدني، حسبما أعلنت حملة "الإهمال الطبي في السجون"، بينما أصدر مركز "النديم" لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، تقريرا في حزيران/ يونيو الماضي، أكد فيه وقوع 272 حالة وفاة على يد الشرطة خلال العام الأول لحكم قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي.
وفي سياق ذي صلة، أمرت النيابة العامة بحبس أربعة ضباط شرطة على ذمة التحقيقات بعد اتهامهم بقتل مواطن تحت التعذيب داخل قسم الأقصر، وأثبت تقرير الطب الشرعي تعرضه لضرب عنيف أودى بحياته.