لم تكن داعش هي السبب ولا حتى التكئة، وقبلها لم تكن القاعدة، فزمن تدمير الصومال الأول جاء سابقا على هجمات سبتمبر 2001، وقبلها كان تدمير السودان بإغراقه في الحرب الأهلية، سابقا حتى على استقلال السودان في مطلع الخمسينيات، وهكذا جرت حروب 48 و56 و67 وكافة عمليات التدمير الشامل في فلسطين ودول الطوق حول إسرائيل، قبل إطلاق مصطلح الإرهاب من الأصل.
وحين جرى تدمير العراق، كان الشعار المستخدم للتغطية على التدمير الشامل لهذا البلد هو رعايته أو اتصاله بالإرهاب وحيازته الكيماوي والنووي، وثبت وفق اعترافات من أخذوا قرار التدمير الشامل أنفسهم، إن لم يكن هناك أي من تلك المبررات، كما أثبتت الأحداث والوقائع والشهادات التاريخية، أن متخذي القرار بالتدمير، كان معلوما لديهم -مسبقا- براءة العراق من كل تلك الاتهامات، التي لم يجر إطلاقها إعلاميا إلا لتبرير التدمير للدولة والمجتمع والمنجزات الحضارية بما فيها التاريخية، إذ تعرضت آثار العراق إلى عملية تدمير وسرقة ممنهجة.
وحين جرى تدمير غزة مرة بعد أخرى، لم تكن هناك لا داعش ولا القاعدة، إذ لم يجرؤ أحد في العالم على القول، إن الحرب والتدمير كانت لوجودهما أو لنشاطهما.
وقبل كل ذلك وبعده، فلم يكن هدم المساجد والمكتبات والقتل الجماعي والإبادة للمواطنين حتى قضى على 120 ألف إنسان في البوسنة والهرسك، لوجود القاعدة أو داعش، وقد جرى التدمير تحت عين وبصر أوروبا والولايات المتحدة بل والأمم المتحدة.
والقصد أن المتأمل فيما يجري في المنطقة أو ضد المسلمين والعرب، منذ سنوات طوال، يجد الثابت الوحيد هو فعل التدمير والإبادة الشاملة والقتل الجماعي بمعدلات تفوق ما جرى حين استخدمت أسلحة الدمار الشامل في الحرب العالمية الثانية –فقد قتل في العراق وحده نحو عشرة أضعاف ما قتل بالقصف النووي في هيروشيما ونجازاكي -وأن المختلف في التدمير الشامل لبلد عربي أو إسلامي عن آخر، هو الأسباب والمبررات الإعلامية التي تساق هنا وهناك، وليس الفعل، الذي هو ثابت كواقع وهدف وجرائم مجسدة.
ويجد أن الطرف الحقيقي الذي يقوم بكل أعمال التدمير الشامل هو السلاح الغربي والقوة الغربية، وأن قوى جديدة قد أضيفت لقوة التدمير في المرحلة الأخيرة، إذ صارت القوتان العسكريتان الروسية والإيرانية تمارسان ما تمارسه القوة العسكرية في الدول الغربية وأكثر، وذلك أحد أسباب توسع الدمار والقتل على طول المساحة الممتدة على خريطة العالم الإسلامي.
كما يجد فعليا أن المنطقة لا تشهد حربا على الإرهاب بالدرجة الأولى، بل هي تعيش حرب تدمير تأخذ الإرهاب عنوانا ومبررا لها ليس إلا، إذ كان التدمير يجرى من قبل وفق مبررات أخرى مصنوعة أيضا.. بل يكاد يجزم أن داعش لو حلت نفسها غدا –أو انتهت إلى تفرق عناصرها – فذلك لن يوقف الحرب والدمار الشامل الجارية، إذ سيبحث الغرب وروسيا وإيران عن مبررات جديدة لاستمرار التدمير الممنهج والشامل.
كما أن الملاحظ أن التدمير الشامل، هو شامل لكل شيء، فهو حرب على الدين والفكر والانتماء والبقاء والمجتمع والرمزيات، كما هو تدمير يحمل مضمون قوة العواصف وموجات تسونامي، إذ يقتل البشر وتدمر كل المنجزات الحضارية من المصانع إلى المساكن إلى المساجد إلى المتاحف والمكتبات، بل حتى المقابر يجرى تدميرها ونبشها، فحتى شواهد التاريخ تجري إزالتها.
هي حروب تدمير شاملة لكل ما أنجز العرب والمسلمون عبر تاريخهم وحضارتهم-إلى درجة نهب الآثار وتهريبها وبيعها والاحتفاظ بها في الغرب -وحرب على بقائهم، إذ عداد القتلى صار بالملايين (من أفغانستان والصومال والبوسنة وفلسطين والعراق وسوريا.. إلخ)، كما أن القتل يجري وفق نهج المذابح المفتوحة والتدمير الذاتي للمجتمعات، فالدول التي لا تحضر الطائرات والدبابات والقوات لهدم المنازل والمساجد وقتل السكان، يجري تحريك المجموعات الممولة لإحداث كل ذلك دون توقف.
هي حقبة استعمارية جديدة عنوانها التدمير الشامل، لا تحقيق السيطرة عبر الاحتلال كما كانت حقبة التاريخ الماضية، وهي حقبة تستهدف إعادة المسلمين إلى ما قبل العصور الحديثة.
عن صحيفة الشرق القطرية