المشهد مرعب حقا. العالم منغمس ومندفع إلى حقبة صراعات وحروب تقوم على استدعاء كل الأسس والمبررات والشعارات التي جرت بسببها أعنف وأطول وأدمى الحروب منذ فجر التاريخ، وكأننا مقبلون على حرب مجمعه لكل حروب التاريخ، وذاهبون إلى حرب إعادة صياغة أوضاع البشرية على نحو شامل، وإلى درجة التفكير في إنشاء بنوك للسلالات البشرية. كل يوم تضاف أسباب ومبررات جديدة لتلك المحرقه، وتفتح جبهات جديدة لاشتعالها الجاري بثبات وبلا تراجع، وتضعف دول جديدة لتصبح مجالا حيويا لاشتباك دام بين الأقوياء، وفي الطريق تضعف دول كبرى دون أن تقبل بتراجعها، وقد تقذف بالعالم كله من الشباك لتضمن البقاء.
أغلب دول العالم تشهد اضطرابات وصراعات فكرية وعنصرية ودينية إيديولوجية واقتصادية واجتماعية، لا يستثنى من ذلك إلا القليل. وإنتاج السلاح يتوسع بدخول دول جديدة مجال إنتاج المتطور فتكا منه، وكل مصنع جديد يبحث عن مستخدمين جدد، في وقت يجري وبسرعه نقل القدرات العسكرية لجيوش الدول إلى جماعات دينية وعرقية وسياسية محاربه، كما تجرى عملية متنامية لخصخصة الحروب وجعلها خاضعة للربحية المالية، والشركات الأمنية –العامله في الخفاء-باتت صاحبة قدرات أعلى من قدرات جيوش دول. والاقتصاد الدولي يعيش أزمات وتقلبات ترفع دولا وتخفض أخرى أو تعصف بقدراتها وربما وجودها. والحروب العسكرية والاقتصادية والبيئية والمعلوماتية والفكرية والدينية جارية وتتوسع مظاهرها، فما بالنا والعالم يدخل مرحلة تسليم القرار وإدارة الدول لسياسيين مجانين (بالمعنى الحرفي)؛ كثير من المجتمعات أصبحت ماكينات إنتاج لتيارات وساسه هم الأشد تطرفا وعنصرية إلى درجة الهوس والجنون. والعالم يعيش حالة تغيير خرائط جغرافيا معالم القوة ومفاعيلها ولا ينجو أحد. حلف الناتو يتعرض لحالة اهتزاز ثقه بعد تصريحات ترمب، والمؤشرات متوسعة على احتمالات تغيير تركيا لموقفها - الدولة الثانية في قوتها وقدرتها-إذ تطلق إشارات تهديد بانتقالها للحلف الضد. وحلف الضد(ميثاق شتغاهاى) يتوسع ويتعمق دوره ويتعزز بما يجعل الحلف الآخر في موضع القرار. وأوروبا تبحث عن بناء قوتها العسكرية –بقيادة ألمانيا العائدة -للدفاع عن مصالحها المتمايزة عن الولايات المتحدة. وبريطانيا وروسيا تحاولان وراثة الولايات المتحدة- وهي على قيد الحياة-، ويقوم الصراع بينهما في الشرق الأوسط، وكذلك تفعل تركيا وإيران، والحال نفسه في آسيا بالنسبة للصين التي تحاول وراثة أمريكا في آسيا، فهل ستقبل أمريكا هنا وهناك، أم ستسخر قدرتها العسكرية للبقاء في موقعها. العالم الذي كان تصور أنه رتب علاقاته وأوضاعه بعد الحرب العالمية الأولى، اكتشف العكس فقامت الثانية ومن بعدها الحرب الباردة –التي كانت مشتعله بوقود من دماء بشر الدول الصغرى-، ثم حرب أمريكا لفرض الهيمنة المطلقة الدائمة، والآن تجري إعادة إحياء كل المعارك على الأسس التي جرت عبر التاريخ- حرب الأفكار والهويات وصدام الحضارات- من حرب قيام الامبراطورية الفارسية، إلى الحرب على الإسلام، إلى حرب إعادة تشكيل الامبراطورية الروسية ...إلخ. الآن تعود اليابان للساحه الدولية، بعد أن غيرت عقيدتها العسكرية للتحرك العسكري خارج جغرافيتها، والصين فرس رهان تغيير التوازنات الدولية في كل المجالات.
كل ذلك يجري والعالم يعيش أجواء الحرب فعليا. فأينما تول وجهك تجد قتالا وحروبا وصراعات واضطرابات ورغبات بالانفصال وإعادة تشكيل الدول، وأعمال تدخل دولية وإقليمية حتى صار الكل –الدولي والإقليمي- مشاركا وفاعلا وضد بعضه بعضا. طالع صورة العالم؛ القرن الإفريقى كله ومنطقة وسط إفريقيا من تشاد إلى جنوب السودان إلى إريتريا وإثيوبيا إلى الصومال في حالات حروب وتدمير، والصراع على إفريقيا كلها مستعر. والشرق الأوسط هذا حاله من اليمن وليبيا إلى العراق وسوريا. وأوروبا الشرقية عادت موضع صراع وحروب والحال يختلف في كل جوار الصين. والدول الكبرى التي كانت حقيقة صامتة لم تعد كذلك، من أمريكا إلى بريطانيا إلى إسبانيا إلى الهند إلى باكستان وروسيا والصين، فكلها مليئة بالتفجرات وتشهد مطالبات بالانفصال. بل حتى الدول الوليدة (جنوب السودان) أو التي في طريقها لتصبح دولا (كردستان العراق) على أنقاض أخرى تعيش اضطرابا وتفجرا.
المشهد مرعب حقا.
1
شارك
التعليقات (1)
طارق طه
الجمعة، 23-12-201610:36 ص
هذا ليس بجديد وهو قديم قدم الزمان ولكن لم يوجد شخص ليؤرخ ويكتب عن هذه الحروب النائمة