أثارت دعوات إلى صدور "قرار جمهوري" بالإفراج الصحي عن رئيس مجلس النواب السابق، الدكتور سعد
الكتاتني، انقساما داخل معسكر الأذرع الإعلامية لرئيس الانقلاب عبدالفتاح
السيسي، بين مؤيدين للدعوات ورافضين لها، وسط إجماع من الفريقين على "مظلومية" الكتاتني، في وقت مضى فيه نشطاء قدما في حملاتهم الرامية إلى إطلاق سراح الكتاتني، باعتباره بريئا من إدانته بالإعدام.
مؤيد للسيسي: ماذا فعل الكتاتني؟
فقد كتب أيمن عبد التواب، وهو صحفي موال للسيسي، مقالا بجريدة "فيتو"، المعروفة بممالأتها للانقلاب والسيسي، الجمعة، مقالا بعنوان: "قرار جمهوري بـ"الإفراج الصحي" عن "سعد الكتاتني"، قال فيه إنه ليس إخوانيا، لكنه يعترف بأن الصورة التي نُشرت للقيادي الإخواني الدكتور سعد الكتاتني في وسائل الإعلام، وهو بـ"البدلة الحمراء"، آلمته.
وأضاف: "صحيح أن الصورة كانت مستفزة للبعض، وأنا منهم، لأنه أصر على رفع شعار "رابعة"، مصحوبا بالابتسامة الإخوانية "الباهتة" نفسها، لكني ضبطتُ نفسي متعاطفا معه، فهو حرٌ في معتقده وأفكاره، لكن الكتاتني - حسب علمي، وحسب الذين تعاملوا معه من الصحفيين عن قرب - كان من أكثر الرافضين للتصعيد الإخواني ضد النظام
المصري، وراهن عليه كثيرون ليقوم بدور "حمامة السلام"، وتقريب وجهات النظر في الأزمات التي احتدمت بين قيادات الجماعة والنظام الجديد الذي أعقب سقوط دولة الإخوان.. كما أنه لم يُضبط يوما متهورا في تصريحاته، ولا إرهابيا في تصرفاته".
وتابع: "لستُ هنا أتغزل في محاسن وصفات الكتاتني، لكن من حقي أن أتساءل عن الاتهامات التي جعلته جديرا بارتداء "بدلة الإعدام"، وأتحدى أي صحفي - ولن أقول أي مواطن - أن يعرف قائمة الاتهامات الموجهة إلى رئيس مجلس الشعب السابق، وما الجرائم التي ارتكبها حتى يستحق "حبل المشنقة" عن جدارة!
وتابع: "ما أعلمه، وتم تداوله في وسائل الإعلام، أن المجلس العسكري، في 2013، وجه الدعوة لـ"الكتاتني"؛ للمشاركة في إذاعة بيان "3 يوليو"، الذي تم فيه عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي، لكنه رفض، فأُلقي القبض عليه مساء ذلك اليوم، فماذا لو كان قَبِل المشاركة؟ هل كان سيرتدي البدلة الحمراء، أم كان سيحجز له مكان مرموق في النظام، ويرتدي البدل "السينيه"، ويسير بموكب سيارات، محاطا بقوات من الحراسات الخاصة؟!
وتابع عبد التواب: "في هذا الصدد يلح على ذهني تساؤل: هل "الكتاتني" يدفع ثمن موقفه السياسي، أم أنه مدان بالفعل في جرائم جنائية؟
وأردف الكاتب: "لقد تورط مئات، بل آلاف المسؤولين في جرائم أشد وحشية ضد المصريين، أكثر من تلك الاتهامات التي يواجهها عدد من قيادات الإخوان، أمثال الكتاتني، ومهدي عاكف، ومحمود الخضيري، وهاني صلاح الدين، وغيرهم من المنتمين للجماعة، أو من "المتعاطفين" معهم.
واستطرد: "صحيح أن بعض المسؤولين الفاسدين لم يقدموا للمحاكمة، وبعضهم الآخر تمت تبرئته.. لكن الشعب يعلم حقيقة من تورط في عقد صفقات فاسدة لبيع ممتلكاته، وشركاته، ومصانعه، وأراضيه، ومعادنه، وغازه الطبيعي.. الشعب على وعي بمن زرع له الأمراض السرطانية في القلب والكبد والمعدة، وفي سائر أعضاء الجسد.. الشعب يعرف الذين مصوا دماءه، ونهبوا خيراته، وأفسدوا الحياة السياسية طوال عقود متتالية، لكنهم يعيشون الآن "معززين مكرمين" في بلاد أوروبا.. أو يُخرجون ألسنتهم لنا بعد حصولهم على "البراءة"!
وفي الختام، خاطب عبد التواب "السيسي" بقوله: "الإفراج بـ"العفو الرئاسي" ملك لك وحدك، كفله الدستور الذي وافق الشعب عليه في 2014، وأعتقد أن الإفراج الصحي بقرار جمهوري، ليس عن الكتاتني فقط، بل عن كل القيادات الإخوانية، التي لم تتلوث أياديها بالدماء، ولا ألسنتها بالتحريض على العنف، لن ينتقص من شعبيتكم، بل أظن أنه من الممكن أن يسهم في نزع فتيل الحقد والكراهية من نفوس وعقول شباب وبراعم الإخوان؛ وملء قلوبهم بقيم العفو، والتسامح، والتجاوز عن كل الذين لم يتورطوا في إراقة دماء المصريين"، على حد قوله.
ذراع للسيسي: الكتاتني لا يستحق الإفراج
لكن رئيس تحرير جريدة "البوابة"، محمد الباز، وهو أحد أهم الأذرع الإعلامية للسيسي، رد على هذه الدعوة في جريدته، السبت، بمقال بعنوان: "هل يستحق سعد الكتاتني الإفراج الصحي؟ رافضا بقوة تلك الدعوة.
واستند الباز في رفضه ذلك إلى سبب غريب هو أن البلتاجي دخل السجن أكثر من مرة، وتعود على نوم السجن وطعامه، أما "الكتاتني" فهو سجين جديد، كل ما يمكن اعتباره سجنا في حياته هو ساعات قليلة قضاها في وادي النطرون بعد اعتقاله مع محمد مرسي وآخرين قبل 28 يناير، أما هذه المرة، فتعد الأولى التي يدخل فيها السجن، ومن الطبيعي أنه لم يتأقلم بعد، ولم يعتد الحياة الخشنة فيه"(!)
وأضاف: "يقولون إنه أصيب بالسكر، وهذا هو سبب النحافة التي بدا عليها، بعد أن كان يملأ العين (شفاه الله وعافاه)، ويقولون إنه لا يستطيب طعام السجن حتى الآن، وهو ما يجعل بعض ضباط السجن وحرصا عليه يشاركونه طعامهم، وهناك من يقول إنه أصيب بحالة نفسية سيئة، بسبب الظلم الذي يتعرض له، فهو يرى أنه لم يشارك في أي أعمال عنف، ولم يحرض على أي أعمال شغب، ولذلك فليس من العدل أن يكون في هذا المكان".
وعلق الباز: "كل هذا يمكن أن يكون مقبولا، لكن في النهاية يظل "الكتاتني" أسير تجربة السجن الأولى، التي جاءته، وهو يقترب من الستين، لم يتعود عليها، لذلك فهو لا يطيقها، أما الآخرون البلتاجي وأشباهه فصحتهم في الغالب كما يبدو تأتي على السجن، وراجعوا صور خيرت الشاطر وعصام العريان ومحمد مرسي، وحتى الطاعنين في السن منهم، أمثال محمد بديع ومهدي عاكف، كلهم بصحة جيدة"(!)
واعتبر الباز عدم مشاركة الكتاتني في الانقلاب تهمة تكفي لإدانته فقال: "قد تبرئ الكتاتني من كثير، لكنك لن تستطيع أن تبرئه من رفضه أن يكون واحدا ممن حضروا مشهد 3 يوليو، دعوه يكون ممثلا لحزب "الحرية والعدالة"، فلم تكن هناك نية لإقصاء أحد، لكنه رفض، (والأسباب معروفة بالطبع)، انحاز لجماعته، ونسي أنه رئيس حزب، وكان طبيعيا أن تكون هذه نهايته"، على حد تعبيره.
والأمر هكذا قال الباز: "لست متعاطفا مع الكتاتني، ففي الغالب سيتأقلم مع السجن، وسيعود إلى حالته، هذا إلا إذا قضى الله أمرا كان مفعولا... ولذلك لا تنفعلوا كثيرا بصورة كان يمكن أن تكون هي صورة ملايين المصريين في السجون، لو فشلت ثورة 30 يونيو.. وفروا تعاطفكم مع من يستحقون، فهذا أجدى وأنفع"، بحسب تعبيره.
استمرار الحملة الدولية للإفراج عن الكتاتني والمعتقلين
إلى ذلك، استمر نشطاء على شبكة الإنترنت، في حملتهم الرامية لجمع أكبر عدد من التوقيعات الإلكترونية عبر موقع "آفاز Avaaz.org" تحت عنوان: "أنقذوا سعد الكتاتني رئيس البرلمان المصري والآلاف في سجون الانقلاب".
وجاء في عريضة التوقيعات: "إن الكتاتني هو رئيس مجلس الشعب المصري عام 2012م، وهو في السجن ظلما لرفضه المشاركة في الانقلاب العسكري الذي قام به عبد الفتاح السيسي في الثالث من يوليو عام 2013م، وما زال مسجونا منذ هذا التاريخ وحتى الآن".
وأشارت العريضة إلى "أن الآلاف من القادة والنشطاء السياسيين والاجتماعيين والحقوقيين من النساء والرجال، بل ومن الطلاب والأطفال، يواجهون المصير نفسه على يد الانقلاب العسكري، ومات منهم حتى الآن ما يزيد عن 300 مصري داخل هذه السجون القاتلة".
وطالبت الحملة "أن يدعم المهتمون هذه العريضة بالتوقيع عليها وأن يطالبوا البرلمانات على مستوى العالم أن يرفعوا هذه القضية إلى شعوبهم والحكومات في بلادهم لدعم الثوار في مصر".
وكان الدكتور الكتاتني ظهر الثلاثاء الماضي، في جلسة محاكمته، وعدد من قيادات العمل السياسي في مصر من جماعة الإخوان المسلمين، في حالة صحية سيئة، الأمر الذي أثار موجة عارمة من الاستياء بمصر والعالم.