يبدو أن الأزمة داخل جماعة الإخوان المسلمين في
مصر لا تجد حلا يلوح في الأفق، رغم الجهود والمساعي الحثيثة الرامية لإنهائها، والتي تهدف لرأب الصدع الذي تفجر بين أكبر حركة إسلامية بالعالم، في ظل ما يمكن وصفه بحرب البيانات والقرارات المتبادلة والمضادة بين طرفي الأزمة.
وأكدت اللجنة الإدارية العليا، التي تدير شؤون جماعة الإخوان المسلمين في مصر، أنه على رأس مهامها حاليا التأسيس لمرحلة جديدة، وإجراء تعديلات اللائحة الداخلية، والإعداد لانتخابات "تأتي بمن يعبر عن الصف، في ظل هذه المتغيرات، لتتم إدارة الدفة باجتهاد صحيح بإذن الله بعدما أخفقت اجتهادات سابقة في الوصول لمبتغانا، وسنكون أول من يعينه و سهاما نافذة في جعبته".
وقالت – في بيان لها الجمعة- : "وحتى ننجز ذلك سنعلي من صوت العقل ونستوعب الجميع، ونصبر على من خانه اجتهاده، محافظين على رأب الصدع ولحمة الصف ما استطعنا لذلك سبيلا".
وأضافت اللجنة: "نحترم الجميع، الصغير قبل الكبير، ولا نجرح في الأشخاص أو نفجُر - لا قدر الله- في الخصومة لاختلاف في الرأي، ولا يعني هذا قداسة لأحد فكلٌ يؤخذ من كلامه ويرد إلا المعصوم".
وتابعت: "نعترف بوجود خلاف يحصره البعض عن جهل أو قصد في مسألة الثورية والسلمية، ولكنه في الحقيقة يتعدى ذلك إلى منهجية الإدارة وأسلوب اتخاذ القرار ومرجعيته، خاصة في ظل انتهاء مدة مكتب الإرشاد، فضلا عن استحالة انعقاد نصابه القانوني، بسبب المعتقلين لدى سلطة الانقلاب الغاشم، هذا بخلاف الصعوبة الشديدة والخطورة الأمنية لاجتماع من تبقى من أعضاء الشورى العام بصفة دورية".
إلا أن اللجنة تعهدت بأن تحل هذه الأمور بالحوار والتواصل وباتساع الصدور لجميع الإخوان، المخالف قبل الموافق، مؤكدة أن حلول هذه المشاكل لن يتم عبر الإعلام، ولا ينبغي له ذلك، وإن كان من حق الجميع معرفة الحقائق والشفافية في عرضها.
وأكدت أنها ستتواصل عبر الإعلام بإطلالة حول أهم النتائج، لافتة إلى أنها تسعى للحل بالطرق الصحيحة فيما وراء ذلك، كاشفة عن أن هناك لجنة تقصي حقائق في الداخل والخارج حاليا تمت الموافقة على تشكيلها، وهي تساعد على ذلك.
وأشارت إلى أن أعضاء اللجنة الإدارية العليا في حالة انعقاد دائم بأشكال مختلفة، وأنهم يتواصلون مع الجميع، كاشفة عن أنها تدرس العديد من الأمور، واتخذت بعض القرارات سيتم نزولها للصف في مساراتها المتعارف عليها.
وأوضحت أنها (اللجنة الإدارية العليا) قد اجتمعت برئاسة الأمين العام للجنة، واكتمل نصابها القانوني بحضور 7 أعضاء من أصل 11، واتخذت عدة قرارات بموافقة جميع الأعضاء الذين شاركوا في الاجتماع.
وشدّدت اللجنة على أن الشاب محمد منتصر هو المتحدث الإعلامي للجماعة، وكل ما صدر من مسؤول اللجنة الإدارية (محمد عبدالرحمن) وتم تسريبه للإعلام عمل فردي تم دون اعتماده من اللجنة، بالمخالفة لأدبيات الجماعة وعملها المؤسسي، مؤكدة أن لجنة تقصي الحقائق ستقوم بالتحقيق فيها بشكل سليم.
وثمنت اللجنة دور من وصفتهم بالمخلصين من أصحاب المبادرات للخروج من الأزمة، مؤكدة أنها تفتح بابها على مصراعيه لأي محاولة جادة تحقق المصلحة للجميع.
ودعت اللجنة الإدارية الجميع إلى العمل الجاد وبذل الجهد في مقاومة الانقلاب، وحثت الثوار ألا يشغلهم شاغل عن ثورتهم، داعية الإخوان في الخارج إلى أن يكونوا "عونا وسندا لإخوانهم بالدعاء والدعم بجانب ميادين جهادهم الأخرى الواجبة عليهم".
ووجهت اللجنة الإدارية العليا رسالة إلى جموع الإخوان، قائلة: "لقد حملتمونا أمانة عظيمة عندما اخترتمونا لهذه المهمة في خضم بحر يموج بالأحداث الجسام في العالم من حولنا وفي ظل واقع انقلاب غاشم مجرم ينكل بالثائرين وكل أبناء الوطن بلا رحمة، وفي ظل ضربات أمنية شديدة".
وأضافت: "في ظل ذلك، لا يخفى عليكم أنها مسئولية مغرم وليست مغنما، ولكنها حكمة الله نستعين بمن عليه التكلان في إنجازها، ونسألكم الدعاء بالسداد، ولكم حق أن نقوم بواجبنا في حمل أمانة المسئولية وبذل كل الجهد لإنجازها على أكمل وجه إلى أن نسلم الراية بأمان لمن يخلفنا".
وتابعت :" نطلب حقنا عليكم بعوننا عليها (المسئولية) ما استطعتم، ومن هذا العون أن تقفوا لمن ينفخ في نار الخلاف وتذكرونه بالله وتردعونه عن فعله ولا تخافون في ذلك لومة لائم، وتضعون نصب أعينكم رفعة الحق قبل نصرة الشخص".
وتشكلت اللجنة العليا لإدارة الجماعة، ومقرها داخل مصر، في شهر شباط/ فبراير 2014، لتسيير الأعمال بديلا عن مكتب الإرشاد الذي تم اعتقال غالبية أعضائه منذ تمّوز/ يوليو 2013.
في المقابل، أكد مسؤول اللجنة الإدارية العليا لإدارة العمل داخل مصر محمد عبد الرحمن المرسي بأن الدعوة لاجتماع اللجنة التي صدرت، وتم تداولها عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" من أمين اللجنة الذي وصفه بـ "الموقوف" لا يعتد بها، مؤكدا أن هذا الاجتماع مخالف للقواعد واللوائح المعمول بها.
وقال – في بيان له- إن أي دعوة لاجتماعات اللجنة لا تكون صحيحة، إلا بدعوة من مسؤولها (رئيسها)، وأن الأعضاء الذين صدر بحقهم قرار إيقاف – بمن فيهم أمين اللجنة – لا يحق لهم حضور اجتماع اللجنة، على حد قوله.
ووصف "عبد الرحمن"، ما يجري في صفوف الجماعة هذه الأيام، بأنه "خروج فئة على الشرعية وعلى منهجية العمل"، متهما "بعض الإخوة" بشن حملة "نتيجة لمحاسبة إدارية عندما حدث خلل من بعض الأفراد"، في إشارة إلى تبرير قرار عزل محمد منتصر بأنه جاء بناء على قرار لجنة تحقيق، وأنه خالف تعليمات قيادة الجماعة بإطلاقه تصريحات دون العودة إليها.
وقال عبد الرحمن في بيانه الذي وزعه المتحدث المعين من قبله، طلعت فهمي: "أصل الموضوع ليس صراعا بين طرفين، وإنما خروج فئة على الشرعية وعلى منهجية العمل ومحاولة تغطية ذلك"، مضيفا: "هذه المجموعة أصبح واضحا أنها امتداد للمجموعة نفسها التي خرجت على ثوابت الجماعة وتسببت في أزمة أيار/ مايو 2015"، وفق قوله.
وتابع: "كنا نظن أن وجودهم في الإدارة الجديدة وتحديد أسس عملها بوضوح سيتجاوز تلك الأزمة وما نشأ عنها من مشاكل"، لكن، وبحسب عبد الرحمن "ظهر بوضوح أن هدف تلك المجموعة هو الانفراد والسيطرة"، كما قال.
بينما أكد المتحدث الإعلامي باسم الإخوان محمد منتصر أنه ما زال المتحدث الإعلامي باسم الإخوان، وأن قرار الفصل صدر من رئيس اللجنة الإدارية محمد عبد الرحمن الذي قال إنه اتخذ القرارات الأخيرة بمفرده، مضيفا :" وأي قرار تم اتخاذه بشكل فردي - مهما كان صاحب القرار- هو والعدم سواء".
وذكر - في حواره على قناة الجزيرة مباشر اليوم- أن اللجنة الإدارية قررت أمس إحالة المتسببين في هذه الأزمة للتحقيق، وألا تخوض فيها في وسائل الإعلام، والتفرغ للموجة الثورية الجديدة، موضحا أنه بعد إعداد اللائحة الجديدة سيتم إجراء انتخابات لاختيار مجلس شوري جديد ومكتب إرشاد جديد.
وكشف "منتصر" عن أن المهندس الراحل عبدالفتاح السيسي كان هو الأمين العام للجماعة داخل مصر منذ فبراير 2014 حتى وفاته في تصفية قيادات الإخوان في مدينة السادس من أكتوبر، مؤكدا أن الأمين العام للإخوان في الداخل هو من يدير الجماعة الآن.
إقرأ أيضا:
"محمود عزت" يحذر من العنف ويطالب بتقديم ابتكارات ومبادرات
من جانبه، أكد ياسر فتحي، وهو أحد شباب جماعة الإخوان المتابعين للأزمة الداخلية، أن التوصيف الدقيق لما يحدث داخل الإخوان " هو حالة تدافع وليس أزمة" ، مضيفا بأن "الأزمة الحقيقية أكبر من كل ذلك، وهي أزمة مصر كلها وما يعانيه الشعب المصري من حكم العسكر والاستبداد والفساد".
وقال – في تصريح لـ"
عربي21": "كل التيارات والحركات والجماعات في مصر، وأولها الإخوان المسلمون، تحتاج إلى حالة تدافع إيجابي حقيقي على مستوى تجديد الدماء والأفكار وطرق العمل، حتى تنجح في مواجهة هذا الكم من التحديات، وحتى تكون متطلعة أكثر للمستقبل لا مستغرقة في الماضي".
وحول رؤيته لمآلات أزمة الإخوان، قال "فتحي": "إذا اتفقت جميع الأطراف أن الأزمة الأصلية هي أزمة الانقلاب وليس شيئا آخر، فإن عليها أن تتفق على وجوب تجديد جميع مستوياتها الإدارية والشورية، حتى تعبر عن مستقبل جديد".
وشدّد "فتحي" على أنه يجب أن يتم تجديد الدماء في كل هيكل إداري صغير أو كبير، وكذلك في كل مجالس الشوري، وفي أعلى رأس الهيكل، وفي الداخل والخارج أيضا، ولا يجب أن يستثنى من ذلك أحد.
من جهته، أكد المكتب المركزي لطلاب الإخوان المسلمين أنه يعكف على صياغة مبادرة لتسوية الخلاف والحفاظ على وحدة الصف يطرحها ويتبناها طلاب الإخوان جميعا، عن طريق مسئولي القطاعات الطلابية.
وناشد – في بيان له اليوم- أفراد الجماعة بالابتعاد عن الدخول في "الشخصنة والطعن في النوايا والتجريح في القيادات، مطالبا بالتمسك بالفكرة والرجوع لأدبيات وثوابت الجماعة، وعدم الالتفاف حول الأفراد، وبضرورة التمسك بالثورة كفكرة وكوسيلة وكمسار.
ودعا مكتب طلاب الإخوان الجميع لإيقاف البيانات المتبادلة، وتهدئة الأجواء، مؤكدا على التمسك بثوابت الإخوان وعدم التفريط في وحدة الصف، والاحترام الكامل لكل القيادات.
وكانت "
عربي21" قد انفردت أمس بنشر خبر انعقاد اللجنة الإدارية العليا لجماعة الإخوان المسلمين، بعد دعوة لاجتماع عاجل وجهها أمين عام اللجنة لكل أعضائها المنتخبين، وأنها ستصدر خلال ساعات بيانا وصفته مصادر مطلعة بالجماعة بـ"الهام" بشأن الأزمة، وهو ما حدث اليوم بالفعل.
وظهرت أزمة جماعة الإخوان الداخلية للعلن بوضوح في شهر أيار/ مايو الماضي، وذلك على خلفية تباين وجهات النظر بشأن مسار مواجهة سلطة الانقلاب، وشرعية القيادة في الظرف الجديد.
واشتعلت تلك
الخلافات يوم الاثنين الماضي، حينما أعلن مكتب الإخوان المسلمين في لندن إقالة محمد منتصر (اسم حركي مقيم داخل مصر)، من مهمته بصفة متحدث إعلامي باسم الجماعة، وتعيين متحدث جديد بدلا منه هو طلعت فهمي، وفق بيان حصلت "
عربي21" على نسخة منه، وذلك في أعقاب خروج مشرف لجنة الإدارة د.محمد عبد الرحمن بعدد من القرارات الموقعة منه، التي قال إنها باعتماد من القائم بأعمال المرشد العام للإخوان د. محمود عزت، والتي تقضي بإعفاء وتجميد عضوية بعض حاملي الملفات المهمة، وأبرزهم المتحدث الإعلامي محمد منتصر.
وأعلن 11 مكتبا إداريا تابعا لجماعة الإخوان رفضه لقرار إعفاء المتحدث الإعلامي محمد منتصر، أو تجميد عضويته.
إقرأ أيضا:
معتقلو طرة لقادة الإخوان: خلافاتكم أعطت قبلة حياة للانقلاب