كتب نادر بكار: سواء بقيت على اسمها الأول في حب
مصر، أو تغيرت إلى ائتلاف دعم الدولة، أو خشى أصحابها من ردود أفعال ناقمة، فدبجوا اسما جديدا يحم صبغة الإقصاء والحصرية ذاتها، يظل الحديث عنها مكررا، قد تناوله من قبلي الكثيرون ومازالوا. فليس مقصودي، ههنا، تسويد صفحة أو تسطير مقال قدر ما هو تسجيل موقف يتطلبه الأمر أحيانا تلبية لنداء ضمير وإلحاق فطرة.. وربما تكثير لسواد الرافضين لعله يُحدث بعد ذلك أثرا.
منذ اللحظات الأولى للولادة المتعسرة لفكرة القائمة الموحدة، كنت ضمن جموع الرافضين بل المستهجنين، لاعتبارات كثيرة، لعل أبرزها عصف هذه الفكرة بكل معانى التعددية والتنافسية التي نروج على الناس وجودها بل حتميتها، وفق عقد المصريين الاجتماعي.. ليس العصف فحسب، وإنما الاستخفاف، بل التحايل على الناخب المصري بإقناعه أن ما تم تقريره وحسمه سلفا بالترهيب والترغيب وضخ الأموال الطائلة، إنما هو اختياره الحر بملء إرادته لمن سيمثله في البرلمان، مراقبا ومشرعا.
أرغمنا جميعا على تجرع نجاح قائمة ضمت أشتاتا من البشر، ليس بينهم رابط واحد مفهوم يصلح لاستنتاج خطواتهم المستقبلية، اللهم إلا المال والمال وحده.. لتأتى بعد ذلك المرحلة الثانية من التلويح بعصا الدولة لمن عصى، أو حتى تساءل عن مفهوم تلك الدولة.
أراد مهندسو الانتخابات القابعون خلف نفس المكاتب القديمة، المفكرون بنفس العقلية القديمة، والمسكونون أيضا بنفس الروح القديمة، أن يستكمل مندوبه في البرلمان ما تعذر إتمامه في الانتخابات نفسها، ليس لحياء وقتها أو خجل معاذ الله، وإنما بدافع خوف غريزي من أن يتسع الخرق على الراقع قبل استتباب الأمور.
الآن سيختار هؤلاء من يرضون سيرته من واقع الملفات طبعا، ويثقون في طاعته، عليهم الاختيار وعليه التنفيذ؛ وإلا فإن (حل البرلمان) وبالتالي ضياع ( التورتة) كان تهديدا حاضرا مباشرا فوريا.. التهديد كان في بعض الشيء، ربما، لأن أصحابنا هؤلاء لا صبر عندهم لدليل أو تفاوض؛ ويبدو أن التهديد قد أثمر أكله بأسرع حتى مما توقعوا.
مفهوم الدولة في مصر أصبح ملتبسا ومبتذلا -وأنا هنا أستعمل أكثر الأوصاف دبلوماسية- إلى أقصى حد؛ ولو أنك استوقفت اثنين لتسألهما عن دلالة لفظ الدولة، لظفرت باختلاف مذهل في الإجابات، يندر أن يتوافر في غير بلادنا.
هل الدولة هي الرئيس؟ هل هي أمن الدولة؟ هل هي أجهزة الأمن مجتمعة؟ أم هي لاتزال عند حدها الكلاسيكي مؤسسات تحافظ على ترابط المجتمع وتحمي مصالحه؟
(عن صحيفة الشروق المصرية ـ 25 كانون الأول/ ديسمبر 2015)