وصف رئيس تحرير جريدة "صوت الأمة"، عبدالحليم قنديل، اللجنة التي قرر قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي تشكيلها من أجل التحقيق في الفساد المقدر بستمائة مليار جنيه بمصر من قبل رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، خلال عام 2015، بأنها "لجنة عجيبة، لا تبدو فيها مصلحة منظورة للسيسي، بل تبدو فيها المصلحة الشخصية المباشرة لوزير العدل أحمد الزند، الذي يطارد خصومه الشخصيين باسم الدولة هذه المرة.
وأشار قنديل -في مقاله بجريدة "صوت الأمة"، الصادرة هذا الأسبوع، تحت عنوان: " دولة أحمد الزند"- إلى أن زكريا عبد العزيز، الرئيس الأسبق لنادي القضاة، يُحاكم الآن بتهمة التحريض على اقتحام مبنى أمن الدولة، ويُراد عزله من القضاء بالتهمة المصطنعة المثيرة للسخرية والأسى، بينما التهمة الحقيقية لزكريا عبد العزيز تهمة تشرف صاحبها، فقد كان خصما عنيدا لحكم مبارك، وكان خصما بطبائع الأمور لأحمد الزند وجماعته في نادي القضاة، وهي التهمة ذاتها التي تلاحق هشام
جنينة.
وأضاف قنديل أن "جنينة" كان هو الآخر خصما عنيدا لعدوان سلطة المخلوع على استقلال القضاء، وترشح على رئاسة نادي القضاة ضد الزند بعد نهاية فترة زكريا عبد العزيز، وقد روجت جماعة الزند لإقصاء جنينة من جهاز المحاسبات، ونشروا توقعات عن إقالة جنينة مع أول يوم للزند في وزارة العدل، بدعاو كاذبة ركيكة، روجت لها تقارير أمنية ملفقة، قصدت إلى إزاحة جنينة من طريق دولة الفساد المسيطر، وهو ما نشهد ذروته الآن، مع تشكيل اللجنة التي تمثل فيها وزارة الزند، وهو ما قد يوحي عند الناس بما يتخوفون منه، وهو أن تصبح اللجنة أداة انتقام من جنينة، كأن تنتهي أعمالها مثلا إلى حديث عن حجم أقل للفساد مما ذكره، أو أن فاتورة الفساد لا تصل إلى رقم ستمائة مليار جنيه.
وتابع قنديل بقوله: "كأن خفض الرقم إلى نصفه أو حتى ربعه يعد خبرا طيبا، لا مبرر معه للانزعاج أو شن حرب تطهير، وأنه لا بديل عن التصالح مع الفساد، وعلى نحو ما جرى في القانون رقم 4 لسنة 2012، وفي تعديلات قانون جهاز الكسب غير المشروع، التي تحمس لها أحمد الزند، وقضت بالتصالح مع الفاسدين من كبار رجال جماعة مبارك، وروج لها أحمد الزند بعد أن صار وزيرا للعدل، وبشر
المصريين بعشرات، وربما مئات المليارات التي ستعود إليهم بعد التصالح، ومرت الأسابيع والشهور، ودون أن يعود مليم واحد مما وعد به الزند، ودون أن يسائله أحد عن تصالحات جهاز الكسب غير المشروع التابع لوزارته، فقد صمت الكل.
وأضاف قنديل أن السيسي لم يشكل لجنة تحقيق في تصالحات أحمد الزند، ولا في تصريحاته التي وعدت المصريين باللبن والعسل يجري أنهارا، ثم لم نجن من ملياراته الموعودة سوى الحصرم، ولم يهرش فاسد واحد جيبه، بل فركوا جميعا أياديهم فرحا بفرصة الهروب من المحاكمات التي المصالحات، بينما لا محاكمة أعادت مليما، ولا أعادت المصالحة، واكتفى الكل بالنصر المحقق، وكفى المأجور على خبر الفساد وسنينه.
وأضاف قنديل أنه "سواء ظل هشام جنينة محاصرا في موقعه إلى نهاية مدته بعد شهور، أو جرت إقالته بحسب الخطة الموضوعة، التي تدرجت من حصاره بتعيين نائبين له دون علمه، وحتى الإعداد لإقالته بتشكيل لجنة الانتقام بعضوية ممثل عن الزند، وهو أمر وارد الحدوث للأسف، ويشكل -لو جرى- انتصارا عظيما لدولة الفساد، وخصما عظيما من رصيد السيسي، يجعل الفساد جيشا لا يهزم".
واستدرك قائلا: "اللهم إلا إذا أخلف الله الظنون، وظهرت الحقيقة التي نعرفها ويعرفها الرئيس، وهي أن القاضي جنينة أعد تقرير فساد السنوات الأربع بتكليف شخصي مباشر من السيسي، وأن فاتورة ستمائة مليار جنيه هي التكلفة المباشرة لفساد إداري في الهيئات والوزارات والمحليات، ولا تشمل فساد رجال الأعمال المقدر بالتريليونات، ولا بالمليارات، وأن الرقم الحقيقي للفساد الإداري وحده أكبر بكثير من الرقم الذي ذكره جنينة علنا، ويصل إلى 900 مليار جنيه بحسب مصادر موثوقة.
فخ الزند لجنينة
وفي سياق متصل، ذكرت "صوت الأمة" أن المستشار أحمد الزند لم يتوان مرارا عن أن ينصب الفخ لـ"جنينة"، ويعد له المكائد مرارا وتكرارا، فقد سبق أن مرر قانونا يمكن رئيس الجمهورية من إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم، بمن فيهم رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، وكذلك إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم إذا ما "قامت بشأنه دلائل جدية على ما يمس أمن الدولة وسلامتها، أو إذا فقد الثقة والاعتبار، أو إذا أخل بواجبات وظيفته بما من شأنه الإضرار بالمصالح العليا للبلاد أو أحد الأشخاص الاعتبارية، أو إذا فقد شروط الصلاحية للمنصب الذي يشغله لغير الأسباب الصحية".
وتابعت الصحيفة بأن هذا القانون كان هو المسمار الأول في نعش المستشار هشام جنينة، لتتوالي بعدها طعنات "الزند" ووحوش الفساد بمصر ضد "جنينة"، وتلاه تعيين نائبين لرئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، هما المستشار هشام عبدالسلام حسن بدوي، محامي عام نيابات أمن الدولة سابقا ومساعد وزير العدل أحمد الزند سابقا، ومنى صلاح الدين أمين توحيد التي تربطها علاقات قوية بالمستشار الزند، خاصة أن زوجها مستشار شهير بإحدى الهيئات القضائية الكبرى، وتربطه صداقة أيضا بوزير العدل منذ سنوات، وفق الصحيفة.
وجاء بعدها قرار السيسي -وفق "صوت الأمة "- بتشكيل "لجنة لتقصي حقائق" بعد تصريحات جنينة، وهي سابقة لم تشهدها مصر من قبل، مكلفا أعضاء اللجنة بالانتهاء من عملهم على نحو عاجل، ما يدل على سرعة التحقيقات التي ستجريها اللجنة، للتحقق من مصداقية تصريحات جنينة.
وأضافت الصحيفة أنه لم تقتصر خطورة الأمر على تشكيل اللجنة، بل تمتد لأعضائها، فرئيسها هو رئيس هيئة الرقابة الإدارية محمد عرفان، وتضم في عضويتها نائبي المستشار هشام جنينة، اللذين عينا دون توصية منه، والمعاديين له تماما، والمعروف عنهما ولاؤهما التام لوزير العدل الحالي، المستشار أحمد الزند.
وتابعت الصحيفة بقولها: "ليت الأمر سيتوقف عند هذا الحد، بل سيكون مهددا بالمحاكمة الجنائية أيضا، فإذا أقيل "جنينة" من منصبه فسوف يصبح فريسة سهلة لقرار اتهام من النيابة العامة بنشر بيانات كاذبة من شأنها تكدير السلم العام، وإضعاف اقتصاد الدولة، وهي جريمة يعاقب عليها بالحبس لفترة قد تصل إلى ثلاث سنوات"..
وأضافت الصحيفة قائلة: "لا يخفي على الكثيرين تاريخ الخلاف بين "الزند" و"جنينة"، الذي نشب بينهما أواخر أيام حكم الرئيس المخلوع "مبارك"، بسبب انتماء جنينة لتيار الاستقلال القضائي، الذي أصبح العدو اللدود للمستشار أحمد الزند، وقطاع عريض من القضاة، بعد إصرار جنينة على مراقبة أعمال نادي القضاة، وهو الطلب الذي قوبل بالرفض والغضب من قبل نادي قضاة مصر، مؤكدين أن أموال النادي تخضع لرقابة القضاة والجمعية العمومية فقط".