شهدت الأيام القليلة الماضية تصعيدا خطيرا للصراع السعودي–
الإيراني في المنطقة، وجاء هذا التصعيد بعد قرار المملكة
السعودية إعدام عدد كبير ممن تتهمهم بالقيام بعمليات إرهابية بينهم الشيخ نمر النمر وعدد من قادة تنظيم القاعدة في المملكة، وأدى الرد الإيراني على عملية إعدام الشيخ النمر إلى تصعيد الموقف ولا سيما بعد التهديدات التي أطلقها المسؤولون الإيرانيون ضد قادة المملكة وقيام متظاهرين إيرانيين باقتحام السفارة السعودية في طهران والقنصلية السعودية في مشهد، وبالمقابل عمدت المملكة وعدد من الدول العربية إلى قطع العلاقات مع إيران ووقف الرحلات الجوية معها، مع أن عددا من المسؤولين الإيرانيين وعلى رأسهم الرئيس حسن روحاني نددوا بعملية اقتحام وحرق السفارة والقنصلية السعوديتين.
ولم يقتصر التصعيد السعودي–الإيراني على قادة البلدين بل امتد إلى دول أخرى من خلال الحملات المتبادلة الإعلامية والسياسية بين مؤيدي كل من البلدين، ولا سيما الحملة القاسية التي شنها أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله على السعودية وردود الفعل على هذه الحملة من قبل قادة تيار المستقبل وشخصيات
لبنانية.
وفي مقابل هذا التصعيد اعلنت بعض الدول الغربية والعربية والاسلامية استعدادها للعمل من اجل تخفيف اجواء الاحتقان بين البلدين ومن ضمن هذه الدول تركيا واندونيسيا وروسيا وبعض الدول الاوروبية، كما ان المسؤولين الاميركيين عبروا عن عدم ارتياحهم لاجواء التصعيد ودعوا للعمل لوقفه.
واشار مسؤولون سعوديون الى ان الخلاف مع ايران لن ينعكس سلبا على عمليات التسوية في الملفات الاخرى ولا سيما في سوريا واليمن ، مع ان التحالف العربي اعلن العودة الى الحرب في اليمن ردا على انتهاك الحوثيين وانصار علي عبد الله صالح للهدنة.
لكن السؤال الاهم الذي يمكن ان يطرح اليوم: الى اين سيؤدي هذا التصعيد؟ وهل سيمّهد لحرب سعودية – ايرانية على غرار الحرب العراقية – الايرانية في ثمانينات القرن الماضي؟
رغم التصعيد السياسي والاعلامي والدبلوماسي بين ايران والسعودية وانصار البلدين ، فانه من الواضح ان لا مصلحة للبلدين في الانخراط بحرب عسكرية مباشرة ، مع انهم يخوضان حروبا بالوكالة في اكثر من ساحة ومنطقة عربية واسلامية، فالاوضاع الاقتصادية والشعبية والدولية والاقليمية لا تسمح اليوم بفتح حرب اقليمية جديدة ، نظرا لوجود مخاطر كبرى اخرى تهدد المنطقة والعالم ولا سيما انتشار التطرف والعنف وخصوصا تنظيم داعش.
كما ان الدول الكبرى ولا سيما روسيا واميركا وبعض الدول الاقليمية والاسلامية كتركيا وباكستان ومصر وكذلك الدول الاوروبية لا مصلحة لهم بتصعيد الاوضاع في المنطقة ، رغم ان بعض هذه الدول تستفيد عادة من اندلاع الحروب لجهة تنشيط بيع الاسلحة وزيادة الارباح من تجارة النفط.
قد يكون البلد الوحيد الذي يستفيد من تصعيد الصراع السعودي – الايراني هو الكيان الصهيوني ، لان هذا التصعيد يخدمه في تعزيز علاقاته مع بعض الدول العربية والخروج من مأزق اندلاع الانتفاضة ، كما ان اندلاع الصراع ينعكس سلبا على قوى المقاومة في المنطقة ويزيد من حصارها الاعلامي والسياسي والميداني ويشغلها في صراعات جانبية.
وعلى ضوء هذه المعطيات يمكن التأكيد ان هذا الصراع كان في توقيت خاطيء وليس له اي افق في المرحلة المقبلة وهو سيؤدي لتصعيد الاجواء الطائفية والمذهبية ولن يكون له اية انعاكاسات ايجابية ، بل سيؤدي لمزيد من الدمار واجواء الكراهية والحقد بين ابناء المنطقة العربية والاسلامية.
ومن هنا جاءت أهمية مسارعة بعض الدول العربية والإسلامية والأوروبية للعمل على تخفيف أجواء الاحتقان والبحث عن حلول واقعية للتصعيد القائم، بغض النظر عمن كان المسبب لهذا التصعيد وعن الأخطاء المتبادلة التي ارتكبها المسؤولون في البلدين.
فالعالم العربي والاسلامي لا يتحمل حربا جديدة تؤدي لمقتل مئات الالوف ويجب على الجميع العمل لاطفاء النار قبل اندلاعها.