اعتبرت
الرمادي أول نجاح كبير للجيش العراقي المدعوم من الولايات المتحدة منذ انهيار قواته أمام التقدم الخاطف لتنظيم الدولة في شمال العراق وغربه في منتصف 2014، رغم أن تطهير المدينة من عناصر التنظيم ومتفجراتهم قد يستغرق أسابيع.
وقال ناجون من سيطرة
تنظيم الدولة على الرمادي إن المقاتلين حاولوا عمدا استخدامهم كدروع بشرية، وهي عوامل تشير إلى أن المعارك ضد التنظيم في المستقبل قد تكون أكثر تعقيدا.
وعلى النقيض من تقديرات أولية لعدد المدنيين بالمئات، يقول قادة إن قواتهم عثرت حتى الآن على نحو 3800 مدني من الرمادي، وهي مدينة يقطنها مئات الآلاف من السكان فر منهم الكثير بعد أن سيطرت "الدولة" عليها في أيار/ مايو.
وقال القادة إن قوات مكافحة الإرهاب التي قادت عملية استعادة الرمادي مدعومة بمئات
الغارات الجوية التي شنها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة اضطرت لتغيير عتادها من أدوات المواجهة المباشرة إلى إغاثة المتضررين.
وقال العقيد أركان الذي طلب عدم ذكر اسمه كاملا: "لسنا مستعدين للتعامل مع المدنيين لكننا فقط قمنا بتمهيد الأرض"، وتابع: "نقدم الدعم والرعاية بيد ونقاتل بالأخرى".
وربما ساهمت قواعد الاشتباك الصارمة في تجنب إصابة عدد كبير من المدنيين في المدينة، لكنها أبطأت تقدم الجيش، وسمحت للمتشددين بالفرار إلى الضواحي الشمالية والشرقية.
والرمادي هي عاصمة محافظة الأنبار التي تمثل الوادي الخصيب لنهر الفرات الذي يجري من الحدود السورية إلى مشارف بغداد، حيث قاومت العشائر السنية الحكومة التي يقودها الشيعة منذ أسقطت القوات الأمريكية صدام حسين في 2003.
ويثير عزم مقاتلي تنظيم الدولة التستر وسط المدنيين في الرمادي مخاوف من المعارك المقبلة في الموصل، معقل التنظيم في شمال العراق. وتعهد رئيس الوزراء حيدر العبادي باستعادة الموصل هذا العام، ويسري الأمر نفسه على الفلوجة حيث يتمركز المتشددون منذ فترة طويلة.
وقال اللواء فاضل برواري، من قوات مكافحة الإرهاب: "الفلوجة مليانة (مليئة) عوائل مو (ليس) مثل الرمادي... والموصل أكثر من 70 بالمئة باقي (لا يزالون) داخل المدينة".
وأضاف: "أهم مشكلة بيننا وبين هذه العوائل شلون (كيف) ندخل الموصل لأنهم يحسبون العوائل درعا بشريا لهم. ما يهمهم إشكد (كم) يقتلون... إشكد يموتون. ما يهمهم (لا يهمهم). ما يهمهم الدولة الإسلامية".
ويتوقع أن يمثل التعاون بين قوات مكافحة الإرهاب وغارات التحالف عنصرا حيويا في المعارك في المستقبل، إذ تتشكل بقية قوات الجيش والشرطة والقوات غير النظامية من مجموعات شيعية تدعمها إيران وبعض المقاتلين من العشائر السنية التي تقدم الدعم.
ولدى قوات مكافحة الإرهاب التي أسستها الولايات المتحدة ودربتها بعد غزوها للعراق القدرة على خوض عمليات محدودة فيما يتعلق بالمدنيين كتحرير الرهائن، لكن التعامل مع المدنيين على هذا النطاق شيء لم تجربه هذه القوات من قبل وهي المكونة من مئات الجنود المتشحين بالسواد.
وقال العقيد أركان: "الرمادي هي أول حالة نقابل فيها مدنيين في محيط عملياتنا. نعتبر هذا تدريبا أوليا جيدا... سنتعامل مع الموقف بهذه الطريقة".
وأضاف: "نواصل الضغط في المنطقة ويمكن لهم (تنظيم الدولة) البقاء ومواجهة الموت... أو الفرار، لكنهم يفرون في غالبية الحالات، ونقوم نحن بأخذ المدنيين".
استراحة من العذاب
ترسل الأغاني الحربية التي تبثها أبواق ثبتت فوق السيارات المدرعة لقوات مكافحة الإرهاب رسالة بأنه وقت يمكن فيه للمدنيين بالرمادي الحصول على استراحة من العذاب والمعاناة.
ومع تراجع المتشددين، غربا حشروا المدنيين في سيارات رباعية الدفع بواقع أربع أسر في كل سيارة وأجبروهم على الانتقال للشمال في منطقة تسمى الثيلة وبعدها نقلوا إلى منطقة الصوفية. وقال سكان إن من رفضوا كان مصيرهم التهديد والضرب والتعرض لإطلاق النار.
وقالت خالدة جعفر صادق، وهي امرأة مسنة نقلتها قوات مكافحة الإرهاب قبل أيام: "إذا ما تطلعون إنتو تعتبرون مرتدين وتنتظرون المرتدين حتى يجون يطلعونكم".
يروي سكان آخرون قصصا تكاد تكون طبق الأصل، لكن المدنيين لا يزالون في خطر، وتنفذ القوات الآن العديد من العمليات بحثا عن متفجرات.
وقال العقيد أركان: "إذا حصلت (الجهات الأمنية) على معلومات عن بعضهم من قبيل الاشتباه في صلتهم بالإرهاب... يبدأ تطبيق الإجراءات بحقهم، وإذا لم تكن هناك معلومات يتركون للذهاب إلى مركز اللجوء".
وأفادت قوات الأمن بأنها تحفظت على عدة مئات من الرجال المدنيين لحين عمل تحريات، وأفرجت حتى الآن عن بضع عشرات فقط.
ولمن يجتازون التحريات الأمنية من الرجال إلى جانب النساء والأطفال يتم تسكينهم قرب قاعدة عسكرية تبعد بنحو 30 كيلومترا إلى الشرق من المدينة.
وبالنظر للدمار الواسع في الرمادي التي كانت في الماضي مدينة يسكنها قرابة نصف مليون شخص، ورغم تعهدات الحكومة بإعادة الإعمار، إلا أن الأمر قد يستغرق سنوات قبل أن يعود المدنيون لأي شيء يمثل مسقط رأسهم.
لم يفلت من الدمار إلا القليل من المباني.. فالغارات الجوية التي ما تزال تستهدف مناطق نائية بين الحين والآخر سوت عشرات المنازل بالأرض، وخلفت في الطرق الرئيسية حفرا عميقة.
وبلغ مدى الدمار في بعض المناطق جراء القتال إلى حد فشل الجنود في تمييز جغرافيا المكان.