تواصل عائلات عراقية شيعية عديدة من مخلتف مناطق الوسط والجنوب في
العراق؛ بحثها المستمر لمعرفة مصير أبنائها الذين انخرطوا في صفوف
مليشيات الحشد الشعبي وأجهزة الأمن؛ وسقطوا خلال المواجهات العسكرية ضد
تنظيم الدولة بمحافظات "المثلث الًسُني" العراقية، فيما كشف ضابط سابق لـ"
عربي21"، أن
الجثث تدفن بمقابر جماعية سرا لمنع إثارة احتجاجات الأهالي.
أبو عباس العامري، واحد من عشرات الآباء الشيعة الذين أرسلوا أبناءهم للمعارك لمواجهة تنظيم الدولة في الأنبار وبيجي والفلوجة وسامراء، في محاولة لإيقاف زحفه باتجاه بغداد. وبعد مضي شهور، لم يعد إليه ولده حسن، وهو الآن يجهل مصيره.
ويطالب أبو عباس الحكومة العراقية بأن يسلموه جثمان ولده في حال عُثر عليه لإقامة مجلس عزاء.
ويقول في حديث مع "
عربي21": "رؤية سقوط مدينة الموصل بيد التنظيم المروع وهروب آلاف من الضباط والجنود كان له تأثير سلبي على نفسيته، الأمر الذي دفعه للمبادرة للانخرط في صفوف الجيش العراقي، وخضع لتدريب سريع بالقرب من أحد معسكرات بغداد، ليستقر به المطاف مقاتلا على جبهات معارك تحرير الرمادي، وهناك فقدنا الاتصال به ولم نسمع عن أخباره، هل أسر أم قتل".
وأضاف العامري: "من تاريخ فقدانه لم أترك بابا إلا وطرقته، ولم أدع جهة مسؤولة إلا ولجأت إليها، ومنها أبواب الحكومة العراقية ووزارة الدفاع، أسال أين جثة حسن".
وتابع: "كل الأجوبة كانت مطمئنة (يا حاج ما زال البحث جاريا للعثور على جثته وجثث آخرين من رفاقه)، ومضى قرابة العام وأنا أتلظى على نار الانتظار، أبحث أيضا باستمرار عنه في سجل إحصاء مكاتب دفن الموتى مجهولي الهوية بالنجف وبغداد"، على حد تعبيره.
بدوره، يؤكد أحد ضباط الفرقة الذهيبة (سوات) التي أنشأها رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، أن الجيش ومليشيات الحشد الشعبي لا يهتمون بعناصر القتلى الذين يسقطون في صفوفهم خلال المواجهات، وأنهم يتعمدون ترك القتلى، أو الجرحى في ساحات القتال ينزفون حتى الموت، وقد تتعرض هذه الجثث فيما بعد إلى التحلل أو نهش الكلاب السائبة، وفق قوله.
وقال الضابط، وهو منشق وفضل عدم ذكر اسمه لدواعي تتعلق بأمنه الشخصي: "إن تنظيم الدولة هم أعدائي الأزليين، وسبب تطوعي في فرقة سوات سيئة الصيت هو لمقاتلة هؤلاء الرجال، وإخراجهم من الأراضي السنية. لكن عناصر التنظيم أدهشوني فهم لا يتركون جثث مقاتليهم في العراء، يستقتلون حد الموت لإخلاء عناصرهم، ومن يقتلونه يقطعون رأسه بالسكاكين حتى لا نتمكن من التعرف على شكله"، كما قال.
وتحدث الضابط الذي يسكن حاليا أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، وطلب الإشارة إلى اسمه بالأحرف الأولى "ص .ك .ب"، حول دفن الجيش مئات الجثث التي تعود لعناصر في الجيش والشرطة الاتحادية، ومنها سوات التي شاركت في معارك الرمادي حصرا بمقاتلين من أبناء الجنوب والفرات الأوسط، مشيرا إلى دفن الجثث جماعيا بالجرافات دون الاحتفاظ بهوية أصحابها، بجسب قوله.
"المنظر شبيه بمجزرة سبايكر"، وفق ما قال، مضيفا أن تلك الأوامر بضرورة التكتم على أعداد القتلى ومنع إيصال الجثث إلى الأهالي خشية ردة فعل عائلات الأجهزة الأمنية؛ كانت تصدر من مكتب المالكي شخصيا، وعقب رحيل المالكي واصل بعض الضباط وقادة في مليشيات الحشد إخفاء جثث المنتسبين، بحجة أن تنظيم الدولة أحرقها أو ألقاها بنهر الفرات.
ونوه الضابط المنشق إلى وجود عشرات الجثث التي تعود للحشد والجيش العراقي؛ ما تزال مدفونة في قرى البوفراج والبوذياب والبوعلي الجاسم في الرمادي.
وفي حي الشرطة الخامسة ببغداد ذات الأغلبية الشيعية، تجلس أم سجاد مفترشة الأرض صباح مساء، أمام باحة أحد مكاتب مليشيا العصائب، بانتظار وصول جثة ابنها الذي قتل في معارك بيجي في صلاح الدين قبل أربعة أشهر.
وتقول لـ"
عربي21": "لن أبرح هذا المكان إلا وجثة سجاد أحملها بيدي سيرا على الأقدام لمقبرة النجف. وعدوني بأنهم سيفتشون عنها في كل بقعة من أرض بيجي".
وأوضحت أم سجاد أن ولدها "قبل التطوع للقتال كان مراهقا بسيطا قتلوه باسم الجهاد والدفاع عن المذهب. هؤلاء لا يحترمون الإنسان سواء كان حيا أو ميتا، مقاتلا في صفوفهم أو كونه شخصا عاديا"، مضيفة: "قلبي يتفطر لفراقه".