تناول موقع "ميدل إيست مونيتور" البريطاني علاقة الدين بالسياسة في مصر منذ
ثورة 25 يناير، من خلال تقرير على حلقتين، تحدث في أولهما عن دور الكنيسة القبطية في مباركة الانقلاب والتخلي عن تطلعات الأقباط، وفي الثانية عن دور
الأزهر في التشريع للانقلاب ومنحه الغطاء الديني.
وقال الموقع في تقريره الذي ترجمته "
عربي21"، إن المصريين شعروا بعد سقوط نظام حسني مبارك، بأن مطالب الحرية والعدالة والكرامة أصبحت قابلة للتحقق، وبدأوا بالنظر في كافة الملفات الهامة من أجل إعادة تشكيل الوضع في مصر، وكانت "علاقة الدين بالدولة" من بين المسائل التي طرحت نفسها مباشرة بعد الثورة.
وأضاف أنه "مثل كل مكونات المجتمع التي طرحت مسألة مستقبلها في مصر؛ أصبح المسيحيون الأقباط يفكرون في تعديل علاقتهم بالدولة وبالأغلبية المسلمة، فالمسيحية قديمة في مصر، وتعود إلى القرن الأول للميلاد حين زار القديس مرقس أرض الكنانة، كما تمت الإشارة لأرض مصر في الإنجيل عدة مرات".
وتابع: "لكن الكنيسة المسيحية في السنوات الأخيرة؛ عرفت بكونها مستكينة لأي نظام حكم عسكري يحكم قبضته على البلاد، وفي الوقت نفسه تقدم نفسها على أنها الممثل الوحيد لأقباط مصر".
وذكر التقرير أن البابا الحالي للكنيسة القبطية، تواضروس الثالث، وصل لهذا المنصب قبل سنتين، بعد أن غمس طفل عمره ست سنوات يده في الماء، وأخرج اسمه من بين ثلاثة أسماء ترشحت للمنصب، "في ممارسة تلخص الطريقة العشوائية التي تتم بها ممارسة السياسة بشكل عام في مصر".
وأشار إلى أن الأقباط، على غرار بقية شرائح المجتمع المصري التي اجتمعت في ميدان التحرير، كانت لديهم انتظارات وطموحات متنوعة، ولكن أغلبهم اتفقوا أولا على ضرورة مراجعة الدور المحوري للكنيسة كممثل وحيد للمسيحيين، ودعم مشاركتهم الفردية في الحياة السياسية، وقد بدا هذا الأمر ممكنا في البداية، بعد أن تعهد البابا الجديد بالتفرغ للجانب الروحي، والابتعاد عن السياسة.
وقال التقرير إن تمسك العسكر بالحكم؛ أثار موجات من الاحتجاجات التي قوبلت بالقمع والتنكيل، وبعد ثمانية أشهر من سقوط مبارك؛ تحركت حشود من المتظاهرين الغاضبين أغلبهم من المسيحيين نحو مبنى التلفزيون الحكومي في ماسبيرو، للاحتجاج على تغاضي الجيش عن الاعتداءات التي طالت كنيسة في شمال البلاد، وعندما وصت المظاهرة قبالة فندق الهلتون؛ هاجمت الدبابات المتظاهرين ودهستهم، وأطلق عليهم الجنود النار.
وأضاف أن هذه المجزرة أدت إلى وقوع 28 قتيلا من المدنيين، ولكن رغم ذلك فإن التلفزيون المصري أعلن أن "الأقباط يقتلون الجنود، ودعا المصريين للتسلح والخروج للشوارع لحماية الجيش"، في دعوة صريحة للحرب الأهلية والعنف الطائفي.
وأشار إلى أنه "بعد سنة من هذه المجزرة؛ ادعى البابا تواضروس أنه لا يعلم من المسؤول عن تلك الجريمة، وأن الوقت غير مناسب للبحث في هذه المسألة، في إهانة واضحة لمن فقدوا حياتهم أمام مبنى ماسبيرو دفاعا عن الكنيسة. وأشاد تواضروس حينها بالرئيس المخلوع حسني مبارك، ناسجا على منوال البابا السابق شنودة الثالث، الذي طالب الأقباط بعدم المشاركة في الثورة".
وأوضح التقرير أنه رغم تعهد البابا تواضروس بالبقاء بعيدا عن السياسة؛ فقد أعلن في حزيران/ يونيو عن دعمه للمظاهرات المعارضة للرئيس محمد مرسي، وكتب في تغريدة أنه "من الرائع أن نرى الشعب المصري يستعيد ثورته المسروقة بالطرق السلمية"، كما أنه دعم في أثر ذلك انقلاب الجنرال عبدالفتاح
السيسي على الرئيس المنتخب، ووصفه بأنه "حدث مفصلي في تاريخ الأمة"، ووقف إلى جانب السيسي أثناء إعلانه عن انقلابه العسكري، ووصفه بأنه "بطل ثورة 30 يونيو"، وناشده الترشح للرئاسة.
ولفت إلى أن "السيسي كان خلال السنة المنقضية؛ أول رئيس يحضر احتفالات ميلاد المسيح، حيث وقف جنبا إلى جنب مع البابا تواضروس، ووجّه له المجاملات والمديح، ويحرص الطرفان دائما على إظهار أجواء السلم والأمن التي يعيش فيها الأقباط والمسلمون في مصر، رغم أن هذين الأمن والسلم متوفران فقط للأقباط والمسلمين الذين يتفقون مع السيسي ويساندون انقلابه، إذ إن من وقفوا ضد العسكر تم قتلهم تحت الدبابات أو سجنهم أو نفيهم".
واعتبر التقرير أنه في ضوء الانتهاكات الموثقة التي يقوم بها نظام السيسي في مجال الحريات وحقوق الإنسان؛ فإن دعم البابا تواضروس لهذا الدكتاتور يجعله شريكا في جريمة إسكات الأقباط ومصادرة أصواتهم، بعد أن تسبب بموقفه الداعم للانقلاب، في خسارة كل مكاسب ثورة 25 يناير التي قام بها المصريون من مسلمين وأقباط، لأنه بحث فقط عن تقوية نفوذه، وكان يدرك أن تحرر الأقباط يهدد سلطته الدينية.
الأزهر في خدمة الدكتاتور
وحول تعامل مؤسسة الأزهر مع الثورة المصرية، وكيف نسجت هذه المؤسسة العريقة على منوال الكنيسة القبطية، وطوعت الدين لخدمة الدكتاتورية؛ فقد قال الموقع إن المصريين عندما يتم الحكم عليهم بالإعدام تحال أوراقهم لمفتي الأزهر شوقي علام، الذي يقرر ما إذا كان حكم المحكمة مطابقا للشريعة الإسلامية قبل تنفيذه، ومن بين الأسماء التي مرت بين يدي علام ولم يجد أي حرج في التصديق على إعدامها محمد مرسي الذي يعد أول رئيس منتخب بطريقة ديمقراطية في تاريخ مصر.
وأضاف التقرير أن قرار المفتي ليس ملزما من الناحية القانونية، ولكن موقعه كأعلى سلطة دينية في البلاد يضفي مشروعية دينية على رغبة النظام في التخلص من خصومه، وبهذا يكون المفتي مجرد جزء من النظام القضائي الفاسد في مصر، الذي يُخضع المتهمين لمحاكمات عشوائية لا تستجيب لأبسط الشروط القانونية للمحاكمة العادلة.
وأشار إلى أن مؤسسة الأزهر تأسست قبل أكثر من ألف سنة، في عهد الدولة الفاطمية، وهي تتضمن مسجدا وجامعة ومؤسسات بحثية، "وقد كانت في الماضي أهم مرجعية دينية في العالم السني، ولكن شيخها ومفتيها ألحقوا ضررا كبيرا بسمعتها في السنوات الأخيرة، من خلال تخليهم عن الدور التاريخي للأزهر، ووقوفهم مع السلطة القائمة، غاضين النظر عن انتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرض لها المواطنون".
وأكد التقرير أن مجاراة مشايخ الأزهر للسلطة القائمة بدأت منذ سنوات، ولكن تزايد التغطية الإعلامية والاهتمام الدولي وصفحات التواصل الاجتماعي؛ سلط الضوء على هذه العلاقة بين الدين والسلطة، وفضح تواطؤ الأزهر مع الدولة العميقة في مواجهة الثورة منذ عام 2011.
وبيّن أن الحراك التي تلا ثورة 25 يناير؛ شهد محاولة لإعادة الهيبة والدور التاريخي لمؤسسة الأزهر، حيث خرج الأئمة والباحثون والطلبة في مظاهرات حاشدة للمطالبة باستقلال الأزهر عن الدولة، وفي 13 آذار/مارس؛ خرج أكثر من ألف إمام في مسيرة من العباسية نحو مقر المجلس العسكري لإيصال أصواتهم.
وقال التقرير إن الأزهر كان دائما عرضة لتدخل وسيطرة الحكومات المتعاقبة، وقد وضعت الدولة يدها على المؤسسة بشكل رسمي في 1961، عندما أصدر جمال عبد الناصر القانون 103 الذي وضع ميزانية الأزهر تحت سيطرة الدولة، وضمن مراقبة وزارة الشؤون الدينية على هذه المؤسسة، وفرض تعيين شيخ الأزهر من قبل الرئاسة، ما مكن الرئيسين أنور السادات وحسني مبارك من بعده من التحكم في هذه المؤسسة بشكل تام.
وأضاف أنه عندما تصاعدت الاحتجاجات في ميدان التحرير في كانون الثاني/ يناير 2011، فإنه لم يشكل موقف شيخ الأزهر أحمد الطيب مفاجأة كبيرة للرأي العام والمتابعين، حين دعا المتظاهرين للتراجع وتجنب الفتنة؛ لأن ذلك مخالف لشرع الله، "فهو في نهاية الأمر وصل لمنصبه بقرار من مبارك الذي يسعى شباب ميدان التحرير للتخلص من حكمه".
وتكرر الموقف نفسه من الشيخ سعيد عامر، رئيس مجلس الإفتاء في الأزهر، الذي أعلن أن "الإسلام يرفض حتى الاحتجاجات السلمية"، واعتبر أن هذا النوع من التعبير عن الرأي لا يجوز شرعا، وطالب الشرطة بحماية البلاد، على حد تعبيره، في إشارة اعتبرها كثيرون تحريضا للأجهزة الأمنية على مواصلة قمعها الوحشي للمتظاهرين.
وأضاف التقرير أنه حين نجح المتظاهرون في الإطاحة بمبارك في بداية شهر شباط/ فبراير؛ فقد اضطر القائمون على مؤسسة الأزهر لتقديم تنازلات للحراك الثوري ومطالب المحتجين، وأصدروا في 20 حزيران/ يونيو من العام نفسه "وثيقة الأزهر"، معلنين فيها دعمهم لبناء الديمقراطية في مصر، والمساواة في الحقوق، وفصل السلطات عن بعضها، وإصلاح التعليم، ومحاربة الفساد. ونصت تلك الوثيقة على استقلال الأزهر عن سيطرة الدولة، وأعلن الأقباط عن دعمهم لهذه الخطوة التي بدت مثالية لتطوير دور الدين في البلاد، وضمان المساواة بين كل المصريين.
وذكر التقرير أن سنة 2013 شهدت مظاهرات ضد الرئيس مرسي الذي كان قد انتخب قبل سنة واحدة، وسرعان ما تراجع أحمد الطيب عن موقفه الرافض للتظاهر في 2011، وحرض على النزول للشوارع ومعارضة محمد مرسي، وأفتى بأن "التظاهر السلمي ضد الحاكم أمر مقبول شرعا".
وأشار إلى أن الطيب التقى بعدها بالبابا تواضروس والجنرال عبدالفتاح السيسي، وأعلن مساندته للانقلاب، ما جعل طلبة الأزهر يسمونه "شيخ العسكر" و"شيخ الانقلاب"، وقد تعرض هؤلاء الطلبة والمدرسون المعارضون لإسقاط الرئيس المنتخب للإيقاف والطرد من الجامعة، ثم صدر قرار بالسماح لقوات الأمن بدخول الحرم الجامعي وقمع المتظاهرين.
واعتبر التقرير أن هذه التطورات تؤكد أن دعم القيادات العليا في مؤسسة الأزهر لنظام الجنرال عبدالفتاح السيسي؛ أضاع كل طموحات أبناء هذه المؤسسة للتحرر من سلطة الدولة؛ لأن مشايخ الأزهر، على غرار البابا تواضروس في الكنيسة القبطية، تحركهم رغبتهم في التقرب من مراكز السلطة والنفوذ، والتمسك بمناصبهم مهما كلف الأمر، حتى لو كان ذلك يعني التضحية بحرية وكرامة المواطنين، الذين كانوا ينتظرون من الأزهر الدعم والإرشاد الديني والروحي.