نشرت صحيفة "صاندي تلغراف" تقريرا أعده مجدي سمان وريتشارد سبنسر؛ بمناسبة حلول الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير في
مصر، قالا فيه إن الإطاحة بنظام حسني
مبارك لم تجلب معها الحرية والرخاء للشعب المصري.
ويقول الكاتبان: "من بين الحريات كلها، التي ظن المصريون أنهم حصلوا عليها نتيجة ثوة ميدان التحرير، كانت واحدة اعتقدوا أنه لا يمكن التنازل عنها، وهي حرية الحق بالتظاهر، فقد قتل المئات من المحتجين خلال الثورة ضد حسني مبارك، التي بدأت قبل خمسة أعوام، يوم الاثنين. فقد حرك (الشباب الغاضبون) قلوب العالم وهم يتظاهرون ويصلون ويغنون في الطريق للإطاحة بحكم 30 عاما من ديكتاتورية الرئيس حسني مبارك".
ويضيف الكاتبان أن "عائلة محمود محمد حسين ربما كان لها رأي آخر، فقد كان محمود عمره 18 عاما عندما اعتقل في ذكرى الثورة قبل عامين، بعد أن شارك في تظاهرة وارتدى قميصا كتب عليه شعار لا يثير الجدل (وطن دون تعذيب)، ولا يوجد ما يؤكد السبب الذي أدى إلى اعتقاله، ففي هذين العامين نقل من سجن إلى آخر، دون أن توجه له أي تهمة أو أن يقدم للمحكمة".
ونقلت الصحيفة عن شقيقه طارق قولها: "محمود يكبر في السجن". وقال طارق إن شقيقه يعتقد أنه نسي، ولكنه يريد أن يظل إيجابيا. ويقول طارق: "قال لنا محمود في رسالة: لا توقظوا سجينا؛ لأن أحلامه هي الحرية". ويضيف أن واحدا من السجون التي قضى فيها شقيقه فترة هو معتقل مخصص لمن ينتظرون حبل المشنقة، ويعلق طارق قائلا: "تخيل الدمار النفسي الذي يمر به الشاب".
وتقول الصحيفة إن "25 كانون الثاني/ يناير، هو اليوم الذي رفع فيه ناشطان شابان راية الاحتجاج ضد نظام مبارك، وكانت تلك بداية لتساقط أحجار الدومينو حول النظام، وهو ما قلب الشرق الأوسط رأسا على عقب، فحتى ذلك اليوم كان اليوم مكرسا للاحتفال بيوم الشرطة، وهي مناسبة للتعبير عن الامتنان الوطني لقوات حفظ النظام والقانون في البلد، ولكن وائل غنيم وعبد الرحمن منصور، اللذين فتحا صفحة على (فيسبوك) لتخليد ذكرى خالد سعيد، وهو شاب تعرض للضرب على يد الشرطة أثناء اعتقاله، قررا الاحتفال بالذكرى بطريقة ساخرة".
ويشير التقرير إلى أن "صفحة الـ(فيسبوك) لذكرى خالد سعيد أطلقا عليها (ثورة الشعب المصري). ولم يكونا وحدهما، فقد بدأ عدد من منظمات المجتمع المدني بتنظيم نفسه بطريقة رسمية، وبعد أن تمت مواجهة الاحتجاج في 25 يناير بالقوة، أعلن عن مسيرة حاشدة بعد صلاة الجمعة نهاية الأسبوع. وأعلن يوم 28 كانون الثاني/ يناير بأنه "يوم الغضب"، وهو اسم انتشر سريعا في أنحاء العالم العربي كله، وشهد معارك بين الشرطة والمتظاهرين حول القاهرة والمدن الكبرى الأخرى".
ويتابع الكاتبان بأنه "بعد 18 يوما انتهى كل شيء، فبعد شعوره بالضعف لسحب الداعمين له في أمريكا وبريطانيا، أجبر مبارك على التنحي عن السلطة، وسقط في الثورة 846 شخصا، ولكن المجلس العسكري، الذي تقدم لاستلام السلطة، وعد بنقلها إلى المدنيين".
وتلفت الصحيفة إلى أنه "بعد خمسة أعوام لا تزال مصر تدعي أنها ديمقراطية، وبعد الانقلاب في 2013 على حكومة الإخوان المسلمين، يحكم مصر اليوم رجلا عسكريا آخر يحكم بعصا حديدية أقوى مما فعل مبارك".
ويوضح التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أنه "في سلسلة من الاعتقالات التي أشرف عليها الجنرال عبد الفتاح
السيسي، شهدت ملاحقة لعشرات الآلاف من عناصر جماعة الإخوان المسلمين والناشطين الليبراليين من الشوارع وبيوتهم.وذكرت منظمة (أمنستي إنترناشونال) أن مصر غارقة وسط أزمة حقوق إنسان ذات أبعاد ضخمة، وذلك في بيان لها لإحياء الذكرى الخامسة".
ويورد الكاتبان أن البيان جاء فيه أن "الأمال بأن تقود ثورة 25 يناير إلى عصر جديد من الإصلاح واحترام حقوق الإنسان قد تحطمت". وأضافت المنظمة "أجبر المصريون على مراقبة بلدهم وهو يتراجع إلى الدولة البوليسية، وبعد انقلاب 2013، فتحت الشرطة النار على المحتجين من الإخوان المسلمين، وقامت بطريقة وحشية بإخراج المعتصمين، بطريقة لا يمكن التسامح مع أي محاولة فيها، كتلك التي حدثت في ميدان التحرير عام 2011 . وفي آب/ أغسطس في ذلك العام، فتحت الشرطة والجيش النار على معتصمين في ساحة مسجد رابعة، وقتلوا 600 معتصم، ولا يزال الحادث اليوم الأكثر دموية في (الربيع العربي)".
وتنوه الصحيفة إلى أنه بعد عام فإن عدد الاشخاص المعتقلين في السجون يقدر بحوالي 40 ألفا، مشيرة إلى أن هذا هو نتاج لعملية ملاحقة من بيت إلى بيت، وهناك تقدير يقول إن العدد ارتفع إلى حوالي 50 ألف شخص.
ويقول التقرير: "تعرف عائلة محمود محمد على الأقل مكان اعتقال ابنها، فمئات من داعمي الإخوان المسلمين نقلوا أولا إلى (السجون السوداء)، وهي سجون غير مسجلة، وبعضها في قواعد عسكرية".
ويواصل الكاتبان قائلين: "لم يخرج البعض من هذه السجون أبدا، وفي الأسبوع الماضي قامت وزارة الداخلية بالإعلان عن قائمة حددت مكان 99 شخصا، قالت عائلاتهم إنهم (اختفوا)، أي اعتقلوا ولم يعلن عن السجن أو المعتقل الذي نقلوا إليه".
وتستدرك الصحيفة قائلة: "لكن واحدا من الـ 99، كان أشرف شحاتة، وظهر أنه معتقل آخر، ولكنه يحمل الاسم ذاته، وتقول زوجته مها المكاوي إن الشرطة ومسؤولي السجن يرفعون أيديهم تعبيرا عن اليأس، عندما يسئلون عن مكان احتجاز زوجها، الذي كان عضوا في حزب الدستور الليبرالي، واختفى بعد أن طلب للمقابلة مع أمن الدولة في كانون الثاني/ يناير 2014. وفي بحثها عنه قابلها مدير المخابرات، الذي حلف لها على القرآن، أن زوجها ليس معتقلا. وأشار المسؤولون إلى أنه ربما سافر للخارج ؛نظرا لأن جواز سفره كان معه عندما اختفى".
وينقل التقرير عن المكاوي قولها: "صحيح أن جوازه كان معه عندما غادر البيت، ولكن كيف عرف أمن الدولة بهذا؟".
ويعلق الكاتبان بالقول: "بحث النظام بنجاح عن دعم الغرب وروسيا، مقدما لهم نفسه حليفا رئيسا في الحرب ضد تنظيم الدولة في العراقق والشام، الذي لديه فرع يعيث فسادا الآن في سيناء. ولعب النظام المصري على وتر الانقسام بين حلفاء مصر التقليديين، حول الطريقة الأفضل للرد على الربيع العربي. وكانت بريطانيا من الدول الأولى التي اتصلت مع الإخوان المسلمين في مصر، وشجعت الإصلاح، وشعرت بخيبة أمل من رفض الرئيس مبارك العجوز توزيع السلطة خارج الحلقة المحيطة به".
وترى الصحيفة أن "تجربة الإخوان المسلمين في مصر، وسيطرة الإسلاميين على العديد من المناصب في مرحلة ما بعد معمر القذافي في ليبيا، أدتا إلى مدخل أكثر تشددا من داونينغ ستريت".
ويفيد التقرير بأنه "بتشجيع خاص من لندن، بدأ الاستثمار الأجنبي يعود إلى مصر، التي عانت خلال السنوات القليلة من مشكلات اقتصادية".
وينقل الكاتبان عن مدير شركة الاستشارات "سيجنيت" ومقرها القاهرة، أنغوس بلير، قوله: "هي صورة مزيجة". وأشار بلير إلى أهم عامل اقتصادي يؤثر على المنظور الاقتصادي في مصر، الذي ربما كان سببا في اندلاع الربيع العربي نفسه، وهو التزايد المستمر للشباب في العالم العربي، ويتزايد تعداد سكان مصر بنسبة 2% في كل عام.
وتشير الصحيفة إلى أن "البرلمان، الذي يزدحم بمؤيدي السيسي، بدأ هذا الشهر بالعمل، وعليه، فإن مستقبل مصر يعتمد على قيامه إما بفرض قوته على مصر، من خلال عصابة من المؤيدين له، الذين يقل عددهم حتى في الجيش، بحسب بعض التقارير، أو أن يقوم بتقليم أظافر الدولة الأمنية دون تعرضه لتهديد".
ويقول حازم عبد العظيم، الناشط السياسي، الذي دعم السيسي، ولكنه يشعر بالخيبة الآن: "هذا النظام أعنف من نظام مبارك". ومثل بقية الناشطين، فهو مقتنع أن الإطاحة بنظام مبارك، التي كان الهدف منها إنهاء الحكم العسكري، دعمها الجيش بشكل تكتيكي للحفاظ على الحكم السابق- العسكري.
وتختم "صاندي تلغراف" تقريرها بالإشارة إلى أن خطط مبارك تسليم السلطة لنجله جمال، الذي كان يروج لاقتصاد السوق، اعتبرها الجنرالات تهديدا لمصالحهم المالية. ويقول عبد العظيم: "كانت أحداث عام 2011 انقلابا عسكريا ضد مبارك. وكانت الثورة عظيمة وتستحق التضحية، لكن الجنرالات قاموا بتوجيهها نحو هذه الوجهة". ويضيف: "لا يوجد شيء اسمه معارضة اليوم في مصر، فالقوى السياسية كلها إما يائسة أو مشتتة".