قالت مؤسسة "
ستراتفور" للدراسات الأمنية، إن
مصر وتركيا قد تسعيان لتجاوز خلافاتهما بوساطة تحقيق "تحالف سني"، وذلك عن طريق وساطة سعودية.
وابتدأت المؤسسة الأمريكية، التي تعرف بـ"وكالة المخابرات المركزية في الظل" بالصحافة الأمريكية، في تقرير لها الخميس، بالإشارة إلى الخلافات المصرية التركية، موضحة أن "أنقرة رفضت الاعتراف بالنظام المصري الذي وصل للسلطة بانقلاب عسكري عام 2013"، كما أنها أصبحت ملجأ لبعض قيادات الإخوان المسلمين الذين خرجوا من مصر بعد ملاحقتهم.
ووصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، زعيم الانقلاب المصري عبد الفتاح السيسي بـ "الطاغية"، في حين بحثت القاهرة عن دعم إسرائيل وكل الدول لمنع وصول المساعدات التركية لقطاع غزة، كما أن الخصمين يختلفان في الساحة الليبية، وعدد من الساحات العربية الأخرى، بحسب "ستراتفور".
واستدركت المؤسسة بأن مصر وتركيا تسعيان لتنحية بعض خلافاتهما جانبا، إذ نقلت عن مصادر لها أن هناك اتفاقية قد تتراجع بها مصر عن أحكام الإعدام لبعض قادة الإخوان المسلمين، مقابل اعتراف تركي رسمي بها هناك.
وأشارت إلى أن
السعودية عنصر رئيس في المفاوضات، ضمن سعيها الإقليمي لحشد الدول السنية لجانبها، في ظل عدد من التغيرات الإقليمية، أبرزها التقارب الأمريكي-الإيراني بعد الاتفاق النووي الإيراني.
أما عن أسباب هذه المصالحة، فأوضحت "ستراتفور" أن الاقتصاد والإرهاب هما السببان الرئيسان لهذه المصالحة.
الدعم يأتي بـ"ثمن"
وبشكل عام، تتطلب إدارة الأزمات الأمنية حل المشاكل الاقتصادية، مثل البطالة العالية والأسعار العالية، وتراجع العملات الأجنبية، وعدم القدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية، إذ إن هذه الأزمات تدفع الشباب المتأثر إلى الانضمام للتنظيمات الإرهابية.
وفي الحالة المصرية، فقد جاء الدعم السعودي للحفاظ على الاقتصاد المصري، على شكل منح وقروض بمليارات الدولارات، دعما لزعيم الانقلاب عبد الفتاح السيسي للحفاظ على استقرار البلاد..
إلا أن هذا الدعم يأتي بثمن، فقد أجبرت القاهرة على الموافقة على مطالب أنقرة بالتراجع عن أحكام الإعدام على الإخوان المسلمين، مقابل تحسين العلاقات السعودية التركية، وقد يأتي مقابل دعم التحالف العسكري المصري للحوثيين في اليمن، والفصائل المدعومة سعوديا في سوريا، بحسب "ستراتفور".
ويتسق هذا التكتيك مع مساعي السعودية الأكبر لبناء تحالف سني يمكنه مواجهة إيران وتحالفاتها، التي تشق طريقها في المجتمع الدولي، إذ إن إيران جندت أعضاء من الخليج العربي وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامية، لتحالف إسلامي لمكافحة الإرهاب، وقد تكون القوة المصرية العسكرية مفيدة بهذا الخصوص، كما أوضحت المؤسسة.
أما مصر بدورها، فهي مهتمة بالسير ضمن الخطط السعودية، فبجانب الدعم المالي لقتال التمرد المسلح في سيناء وليبيا، فإن مصر تستفيد من وجود حليف دولي آخر لها، في ظل تراجع الأطراف الأخرى مثل أمريكا وروسيا.
وتفهم مصر أن حل الأزمة في العراق وسوريا، بوجود الشبكة المعقدة من اللاعبين الخارجيين، قد ينهي بعضا من العنف على حدودها، في أمر لا تستطيع مصر القيام به وحدها، بحسب "ستراتفور".
مساع مشتركة
أما سعي السعودية لإحاطة نفسها بالدول السنية، فيأتي من مخاوفها المحلية الأمنية، وتحديدا من الشيعة في المنطقة الشرقية، وبالرغم من أنها أقل تأثرا بمشاكل التمرد من مصر بفضل الاقتصاد، فإن أسعار النفط المنخفضة قد تشكل فوضى اقتصادية قد يستغلها الجهاديون، بالإضافة لمشاركة السعودية في الصراع في اليمن، ما قد يسرب بعض الفوضى عبر حدودها الجنوبية.
ويفسر ذلك حاجة السعودية لتركيا، بحسب "ستراتفور"، التي أوضحت أن
تركيا تسعى لبناء دولة سنية، ما يتوافق مع سعي السعودية لذلك، في وقت شهدت فيه انفجارا إرهابيا ضرب حدودها.
ومع فقدان تركيا لفرص سابقة، فإنها قد تكون الآن أكثر رغبة بتدخلات خشنة في المنطقة جنوبي حدودها، ما قد يصعد الأزمة مع روسيا، ويجبر تركيا على العمل مع حلفاء آخرين لتأمين حدودها، ومنع عزلها، ولذلك فهي تحتاج للعمل بتحالف من الدول، قد يمنع روسيا من مهاجمتها، في "تقاطع بين السعودية وتركيا لم يحصل بهذا الشكل مسبقا".
وساطة سعودية
أما الصفقة التي سعت السعودية لإتمامها مع مصر وتركيا، بحسب مصادر "ستراتفور"، فقد استمرت لشهور، منذ آذار/ مارس 2015 الفائت، قبل الوعود بمليارات للنظام المصري في القمة الاقتصادية.
ومع أن النظام المصري ما زال متمسكا بأحكام الإعدام ضد الرئيس المصري محمد مرسي والمرشد العام للإخوان المسلمين محمد بديع، فإن القاهرة تراجعت أو خففت بعض الأحكام في كانون الأول/ ديسمبر، كما أن القوات المصرية ما زالت مستمرة باعتقال الناشطين المحسوبين على الإخوان المسلمين.
وعملت تركيا على تحسين علاقاتها في الشرق الأوسط مؤخرا بشكل ملحوظ، والتحرك تحت مظلة تحالف تقوده السعودية سيحسن صورة تركيا في العالم العربي، كما أنه سيوجه ضربة لروسيا في الميدان.
ومع ذلك، فإن هناك حسابات اقتصادية عند جميع الأطراف، ففي 2015، كانت تركيا ضمن المتأثرين بشكل مباشر من اكتشاف مصر لحقل "شروق" للغاز الطبيعي، فهي تسعى الآن لإعادة استدخال نفسها بمعادلة الطاقة، وتقديم نفسها لإسرائيل وقبرص على أنها الدولة الأكثر فعالية بنقل الغاز عبر أوروبا.
وهنا تتقاطع مصالح تركيا ومصر؛ فبالنسبة لتركيا، يمكنها الاستفادة من حقل "شروق"، وبالنسبة لمصر فهي ستصبح حليفة في التحالف السعودية، مقابل اعتراف تركيا بشرعية الحكومة في القاهرة، بحسب "ستراتفور" المعروفة باسم "جهاز الاستخبارات في الظل".
واختتمت "ستراتفور" بقولها إن هذه المصالح المشتركة قد تسهل الطريق لتقارب بين تركيا ومصر، لكن السؤال يبقى هو سرعة تجاوز البلدين للاختلافات بينهما.. ففي نيسان/ أبريل المقبل ستعقد قمة التعاون الإسلامي في إسطنبول، والتي قد يحضرها السيسي، وهي المرة الأولى التي يزور فيها مسؤول مصري عال المستوى تركيا منذ 2013، وستكون مؤشرا على مدى فعالية الجهود السعودية للوصول لتسوية بين البلدين.