نشرت صحيفة "دي فيلت" الألمانية، تقريرا قالت فيه إن
ميدان التحرير يعتبر محرك المزاج السياسي في
مصر، وإنه في هذا المكان الذي كان شاهدا على سقوط نظام حسني مبارك؛ يمكن لمن يستمع بانتباه أن يشعر بوجود حالة غليان تنبئ بثورة أخرى.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن وسط مدينة القاهرة أصبح منذ
ثورة 25 يناير وسقوط حسني مبارك، شريان الحياة السياسية في مصر، ومرآة تعكس الوضع السياسي في البلد بأكمله، سواء تعلق الأمر بميدان التحرير أم بشارع محمد محمود المؤدي إليه، والذي كان شاهدا على سقوط عدد من الشهداء في معركتهم ضد الأجهزة الأمنية والبلطجية خلال الثورة.
وذكرت أن الكثيرين أصبحوا يفضلون التحدث عن كرة القدم وعدم الخوض في المسائل السياسية، خوفا من أن يكون هناك شخص بصدد التنصت عليهم في طاولة أخرى بجانبهم، وأصحاب المقاهي أًصبحوا لا يعرضون في شاشاتهم إلا مباريات كرة القدم والأفلام الأمريكية.. وإذا ما طرح أحد ما سؤالا متعلقا بالسياسة؛ فإن ردة الفعل الأولى تكون دائما الالتفات لليمين واليسار، في حركة تبين سطوة الأجهزة الأمنية وخنقها لحرية التعبير في البلاد.
ونقلت الصحيفة عن الشاب يوسف (26 عاما) قوله إن نظام
السيسي أثبت أنه أكثر سوءا من نظام مبارك، فقد أمعن أكثر من النظام السابق في اضطهاد المعارضين، وسجن كل من يعبر عن رأي مغاير.
وأضاف الشاب المسيحي أنه "كان في عام 2011 حاضرا في الثورة، وكان يمارس هوايته في رسم صور شهداء الثورة وشعاراتها على الجدران، أو ما يعرف بفن الغرافيتي، من أجل إيصال صوت شباب الثورة للرأي العام، ولكن كل شيء انتهى الآن؛ لأن مجرد ممارسة فن الغرافيتي أصبح أمرا خطيرا جدا تحت حكم العسكر".
وأشار التقرير إلى أن أكثر من 40 ألف معارض للانقلاب في مصر دخلوا السجون منذ وصول الجنرال عبد الفتاح السيسي للسلطة في صيف 2013، كما أن كثيرين هربوا من البلاد خوفا من الملاحقات الأمنية التي لم يسلم منها حتى الصحفيون المعروفون، مثل صحفي قناة الجزيرة محمد فهمي، ومقدم البرامج الكوميدي باسم يوسف، الذي يعيش الآن في الولايات المتحدة.
وبيّن أن جهاز المخابرات في مصر ظل نشطا حتى بعد سقوط نظام مبارك، إلا أنه بعد أول انتخابات ديمقراطية في تاريخ البلاد، التي أوصلت الإخوان المسلمين إلى الحكم، تراجعت سطوته قليلا ولم يعد الناس يخشونه مثلما كانوا في السابق، وأصبحت كل التيارات السياسية قادرة على التعبير عن رأيها بحرية خلال تلك الفسحة التي فصلت بين الثورة والانقلاب، ولكن هذا الجهاز المخيف عاد لسالف قوته ونشاطه بعد وصول السيسي للحكم.
ونقلت الصحيفة عن الشاب شريف، الذي يعمل في قطاع السياحة، قوله إن "هذا القطاع أصيب بشلل تام، وعبدالفتاح السيسي يحصل على مبالغ كبيرة من دول داعمة له في الخليج العربي، كما أنه جمع أموالا كبيرة بفضل مشروع قناة السويس، ولكن المواطن العادي لم يستفد شيئا من هذه الأموال الضخمة التي تدفقت على النظام الحاكم".
وقالت الصحيفة إن الشعب المصري وجه صفعة قوية للنظام خلال الانتخابات التشريعية التي دارت آخر جولة منها في 2 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، إذ إن نسبة المشاركة كانت ضعيفة بشكل لافت، حتى لو تم الأخذ بالأرقام الرسمية التي تدعي أنها بلغت 28 بالمائة.
ونقلت في هذا السياق عن شريف أنه قال ضاحكا: "أرني أي شخص شارك في هذه الانتخابات.. لقد شاهد الجميع صور مكاتب الاقتراع فارغة، وشاهدنا على شبكات التواصل الاجتماعي إثباتات تؤكد أنه تم إغراء كل من يذهب للانتخاب بـ200 جنيه مصري، بعد أن شعر عبدالفتاح السيسي بحرج شديد من تجاهل الشعب لتلك المسرحية".
وأضاف شريف أن "حالة الغضب وخيبة الأمل التي تسود الشعب المصري؛ سوف تصل إلى طريق اللاعودة، وتصل به إلى حد يجعله يندفع نحو الشوارع".
وذكرت الصحيفة أن الحكومة تشعر أيضا بحالة الغليان وبوادر ثورة جديدة، ولذلك قامت بكل الاحتياطات الأمنية اللازمة بمناسبة ذكرى 25 يناير، حيث قامت بملء كل الشوارع المؤدية لميدان التحرير بالأسلاك الشائكة والحواجز الحديدية، كما أنه تم غلق أغلب محطات المترو القريبة من الميدان، وتجهيز خطة أمنية لمحاصرته في دقائق معدودة.
وأضافت أن الشباب المصري التجأ إلى مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن غضبه والتحضير للثورة المقبلة، حيث إن إحدى الصفحات على الإنترنت، واسمها "في يوم 25 يناير سوف نسقط الطاغية"، جمعت حوالي 100 ألف متابع في فترة قياسية، وقد عبر المتابعون عن اهتمامهم باستعادة الثورة المغدورة، ولكن سرعان ما اختفت تلك الصفحة بشكل مفاجئ، حيث إن الشرطة تقوم في أغلب الأحيان بتتبع مشرفي تلك الصفحات وإلقاء القبض عليهم.
وفي الختام؛ قال مراسل الصحيفة إنه في الطريق من المطار إلى شارع صلاح سالم ثم إلى ميدان التحرير، وفي كل مكان ذهب إليه، كان هنالك عدد كبير من أعوان الشرطة السرية بلباس مدني، حتى إنه يوجد المئات منهم في بعض الأماكن، وهي إشارة واضحة على أن مصر على وشك الدخول في منعطف سياسي جديد، مع تصاعد الشعور بالغضب واليأس لدى الناس.