كتبت المحررة في صحيفة "فايننشال تايمز" رولا خلف، تقريرا تحت عنوان "الأكراد ودائرة الدمار"، أشارت فيه إلى تداعيات ما بعد الحرب ضد
تنظيم الدولة في
العراق والشام، خاصة في المناطق التي استطاعت قوات
البيشمركة التابعة لحكومة إقليم كردستان استردادها من مقاتليه.
وتقول خلف: "في نهاية عام 2014، وعندما زرت البيشمركة على جبهات القتال ضد تنظيم الدولة في شمال العراق، كان مقاتلو البيشمركة المعروفون في مزاج مرح، فبعد صدمتهم الأولى عندما استطاع المتشددون الإسلاميون السيطرة على الموصل في حزيران/ يونيو، رمم الأكراد صورتهم باستعادة مناطق واسعة، قام فيها الجهاديون بذبح وترويع وتشريد الأقليات الإثنية العراقية".
وتضيف الكاتبة أن "الأكراد أثبتوا أنهم حليف يمكن للغرب الثقة به في الكفاح ضد تنظيم الدولة، في وقت أظهرت فيه القوى الأخرى في المنطقة ترددا، وفي أسوأ الأحيان تواطأت مع الجهاديين".
ويشير التقرير إلى أن الأكراد لم يظهروا ترددا في قتال التنظيم، خاصة أن بقاء منطقة الحكم الذاتي أصبح على المحك، وفي وقت اقترب فيه تحقق حلمهم بإقامة دولة لهم، وتقول خلف إنه "لهذا السبب احتفوا ودعموا الحكومات الغربية، وهذا كله يقدم قصة عن التصميم، الذي يجعل من الطريقة التي عاملت فيها قوات البيشمركة سكان المدن والقرى التي احتلتها من تنظيم الدولة، مثارا للقلق".
وتضيف الكاتبة: "تسربت قصص عن
الانتهاكات، لكنني لم أقرأ الرواية الكاملة إلا قبل أيام قليلة، وقدمت لي صديقة تقريرا كتبته لمنظمة (أمنستي إنترناشونال)، وقام على تحقيق استمر لأكثر من عام في المناطق التي استعادتها البيشمركة".
وتتابع خلف بأنه "من خلال زيارات وصور التقطتها الأقمار الصناعية، والمقابلات مع الناس المشردين، عثرت على عدد من الأشكال المثيرة للقلق، فقد منع العرب الذين هربوا من هذه البلدات، وتوجهوا إلى مناطق الأكراد، من العودة إليها، ومن خلال سياسة مقصودة. وفي بعض الحالات قامت البيشمركة بتدمير البيوت، أو سمحت بتدميرها؛ للتأكد من عدم وجود مكان يعود إليه القرويون".
وتذكر الصحيفة أن منظمة العفو الدولية ترى أن التشريد القسري ربما وصل إلى جريمة حرب، مشيرة إلى جلولاء والقرى المحيطة بها في محافظة ديالى شرق العراق "فقد وجدت باحثة (أمنستي) أن 87 ألف مواطن، معظمهم عرب، لم يعودوا إليها، بعد أكثر من عام من طرد تنظيم الدولة منها".
ويورد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أن "أمنستي إنترناشونال" تزعم أن هذا كان في جزء منه نتيجة أن البيوت تم نهبها أو تدميرها أثناء احتلال تنظيم الدولة لها، أو خلال المعارك، وبعضها دمرها ونهبها مقاتلو البيشمركة وحلفاؤهم من المليشيات الشيعية بعد استعادة المناطق.
وتضرب الكاتبة هنا مثالا آخر بقرية برزنكي في محافظة نينوى في شمال العراق، التي تمت استعادتها من تنظيم الدولة في خريف عام 2014. وبحسب "أمنستي"، فقد تم تفجير معظم البيوت بيتا وراء بيت. وبرر مقاتلو البيشمركة تدميرها بذريعة أن القرية دعمت تنظيم الدولة.
وتلفت الصحيفة إلى أن المسؤولين نفوا أن يكونوا تبنوا استراتيجية لتشريد العرب، وقالوا إنهم يقومون بتحضير رد مفصل على التقرير.
وتقول خلف: "يجب النظر إلى الانتهاكات ضمن هذا السياق التاريخي: تعد القرى العربية في (المناطق المتنازع عليها)، ذات مصير مرتبط بالتفاوض بين بغداد وحكومة إقليم كردستان، وبعض القرى كانت كردية قبل سياسة التعريب في ظل الحكم القاسي لصدام حسين، وربما كانت السيطرة عليها محاولة لرد الظلم الذي مارسه النظام الديكتاتوري البعثي السابق، وهناك بعض أفراده متحالفون مع تنظيم الدولة، وهناك إمكانية لتعاطف بعض السكان العرب مع تنظيم الدولة، فيما قام آخرون بالتعاون معه، ما يجعل من عودتهم إلى قراهم تهديدا أمنيا. فهل هذا يبرر تفجير البيوت ويجبر الناس على حياة اللاجئين؟".
وتجيب الكاتبة: "بالتأكيد لا، صحيح أن العراق ربما لن يعود مرة أخرى كما كان دولة موحدة، وقد يقرر الأكراد الانفصال، ولكن إثارة مظالم جديدة بين العرب السنة، الذين عاشوا بين الأكراد وبقية الأقليات، ربما يكون ذلك وصفة لإثارة المشكلات".
وينوه التقرير إلى أن "الأكراد، الذين ينتمي غالبيتهم إلى الطائفة السنية، لكنهم ينظرون إلى أنفسهم على أنهم أقلية عرقية وليست دينية، يعرفون أن جماعات مثل تنظيم الدولة تتغذى من مشاعر الحرمان بين الناس".
وتقول خلف: "سمعت المسؤولين الأكراد وهم يرثون حقيقة عدم استماع الحكومة، التي يسيطر عليها الشيعة في فترة ما قبل عام 2014، من الطريقة التي يعاملون فيها السنة. ويقول المسؤولون إن غضب السنة كان وراء انتعاش التهديد الجهادي. وتتهم المليشيات الشيعية، التي استعادت مناطق من تنظيم الدولة، بتقليد أساليب الأخير التدميرية، وهو ما يفاقم مشاعر خيبة الأمل لدى السنة".
وتخلص الكاتبة إلى القول: "دون سياسة تشمل الجميع، فلن يكون هناك أمل بهزيمة تنظيم الدولة، فالقصف والقتال كله لن يكون سوى مجرد قتل مقاتلي التنظيم من جهة، وإحيائه من جهة أخرى".