نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا استعرضت فيه تضييق النظام
المصري على
الحريات الفكرية، بعد القبض على رسام الكاريكاتير إسلام جاويش بتهمة "رسم كاريكاتير مسيء للنظام".
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته "
عربي21"، إن السلطات المصرية اعتقلت في 31 كانون الثاني/ يناير إسلام جاويش، من مقر عمله في مقر شبكة أخبار مصر، ووجهت إليه تهمة "إدارة موقع دون ترخيص".
وذكرت الصحيفة أن إسلام جاويش أكد في منشور على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك؛ أن السلطات المصرية قامت باعتقاله بسبب رسومه الكاريكاتيرية الساخرة التي ينتقد فيها النظام المصري، وشخصية عبد الفتاح
السيسي.
وأضافت الصحيفة أن الرسام الشاب يقوم بنشر أعماله الساخرة ورسومه على صفحته الخاصة "الورقة"، على موقع "فيسبوك"، والتي يتابعها أكثر من 1.7 مليون شخص، قبل أن يقوم بجمعها في كتاب أول صدر منذ سنة تقريبا، وفي كتاب ثان صدر حديثا.
وأشارت الصحيفة إلى أن المدعي العام المصري أمر بالإفراج عن إسلام جاويش بعد ساعات من اعتقاله، حيث أكد محاميه أن وظيفة موكله تقتصر على بعض الأعمال التقنية، ولا علاقة له بالمحتوى الإخباري للموقع الذي يعمل معه.
وذكرت الصحيفة أن الشعبية المتزايدة التي تحظى بها أعمال جاويش الساخرة على صفحته على الـ"فيسبوك" أقلقت النظام المصري، رغم أنها لم تتخذ طابعا سياسيا ساخرا سوى في بعض الرسومات التي نشرها أخيرا، حيث اقتصرت أعماله على التطرق للعلاقة بين الرجل والمرأة وقضايا اجتماعية أخرى، وفقا لما ذكره رسام الكريكاتير ومؤسس مجلة "تكتك"، محمد الشناوي.
ونقلت الصحيفة عن الرسام الكاريكاتيري محمد أنور، قوله: "إن النظام المصري انتقل من مرحلة تضييق الخناق على الحريات السياسية والمدنية وتصفية المعارضين السياسيين، إلى استهداف الحريات الثقافية والمثقفين".
وأضاف محمد أنور أن اعتقال إسلام جاويش بسبب أعماله التي انتقد فيها عبد الفتاح السيسي، أدى إلى نتائج عكسية تماما، حيث انتشرت عديد الرسومات الكاريكاتيرية الساخرة من شخصية السيسي على مواقع التواصل الاجتماعي، من أبرزها الكاريكاتير الذي نشره الرسام "أنديل" تضامنا مع جاويش، وظهر فيه عبد الفتاح السيسي يقول "ما بحبش أترسم".
وذكرت الصحيفة أن اعتقال إسلام جاويش يندرج في إطار سياسة ممنهجة يعتمدها النظام المصري منذ أشهر للتضييق على الحريات الثقافية والفنية، حيث نفذت السلطات الأمنية أكثر من 5 آلاف عملية تفتيش ومداهمة في مدينة القاهرة خلال أسبوعين، وقامت بإغلاق عديد المراكز الثقافية التي تستقطب النخبة الفنية في مصر في منتصف شهر كانون الأول/ ديسمبر، من بينها تاون هاوس غاليري ومسرح روابط.
وأضافت الصحيفة أن المعارضين السياسيين لم يكونوا لوحدهم ضحية السياسات القمعية لنظام عبد الفتاح السيسي، حيث ذكرت لجنة حماية الصحفيين التابعة لمنظمة العفو الدولية في تقريرها الذي نشرته في شهر كانون الأول/ديسمبر، أن مصر تعتبر ثاني أكثر دولة قمعا لحرية الصحافة بعد الصين في سنة 2015.
وذكرت منظمة العفو الدولية في التقرير أن "قمع كل أشكال المعارضة" امتد ليشمل حرية التعبير وتأسيس الجمعيات والتجمع، التي كانت أفضل حالا قبل وصول السيسي للسلطة، حيث قامت السلطات باعتقال 23 صحفيا في سنة 2015، بينما لم يتم تسجيل أي حالة مماثلة في سنة 2012.
ونقلت الصحيفة عن الرسام أنديل قوله إنه لم يشعر بمثل هذا الخوف منذ قيام الثورة المصرية قبل 5 سنوات، رغم سقوط مئات الشهداء في ذلك الوقت. واعتبر أن العنف الممنهج يدعو للخوف على مستقبل البلاد أكثر من أي شيء آخر.
وأضاف أنديل أن الرئيس المخلوع حسني مبارك كان يتخفى وراء ستار الديمقراطية في كل ما يقوم به، أما الآن فإن الوضع مختلف، حيث يسعى عبد الفتاح السيسي لاستعراض عضلاته عن طريق بثّ الخوف والرعب بين المصريين، وهو ما تؤكده حملة الاعتقالات الأخيرة ضد المعارضين.
واعتبر أنديل أن الوضع السياسي في مصر في حاجة للتغيير؛ لأنه إذا لم يتم التصدي للسياسات القمعية التي تنذر بعودة الدولة البوليسية، فإن الهامش المتبقي من حرية التعبير التي تضمنها بعض وسائل الإعلام المصرية مهدد بالاندثار خلال سنة أو سنتين، على حد تعبيره.
وذكرت الصحيفة أن بعض الصحفيين المصريين يعتقدون أن مشكلة حرية التعبير في مصر تتعلق أساسا بالوعي الجماعي للرأي العام المصري، حيث يتم الترويج لحرية التعبير والنقد في ظل النظام العسكري على أنها ضد مصلحة البلاد، في الوقت الذي كانت تُعتبر "وسام شرف" في فترة حكم الإخوان المسلمين.
ونقلت الصحيفة عن محمد أنور قوله إن الرأي العام المصري لم يعد يتقبل الانتقادات أو يدعم التوجه النقدي ضد السلطة، حيث يتم الحديث في كل مناسبة يتم فيها انتقاد النظام المصري عن دعم خارجي أو أموال مشبوهة من الإخوان المسلمين. إلا أنه اعتبر أيضا أن المحسوبين على النخبة الثقافية والصحفيين يساهمون في دعم نظام الرقابة والقمع، حيث أطلق مجموعة من الصحفيين حملة ضده بعد نشره لرسم كاريكاتيري للسيسي، دعت فيها إلى تتبع المسؤولين والتصدي لما اعتبرته تهديدا للأمن الوطني.
وفي الختام، قالت الصحيفة إن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت تمثل متنفسا هاما بالنسبة للنخبة الثقافية والشباب المصري على حد سواء، في الوقت الذي يبدو فيه أن سياسة "الخطوط الحمراء" التي يعتمدها النظام العسكري المهزوز أصبحت تمثل تهديدا حقيقيا لحرية التعبير.