منذ انتصار الثورة الإسلامية في
إيران وقيام الجمهورية الإسلامية بقيادة الإمام الخميني عام 1979، خضعت هذه التجربة لنقاشات مطولة تراوحت بين الإعجاب الشديد بها من قبل المؤيدين والموالين وبين النقد القاسي أو التجريح أو الإساءة أحيانا أو إطلاق الاتهامات المختلفة من قبل المعارضين أو المختلفين معها.
واليوم وبعد مرور 37 سنة على انتصار الثورة الإسلامية في إيران، نحتاج جميعا لإعادة قراءة هذه التجربة بسلبياتها وإيجابياتها ونقاط قوتها وضعفها من أجل تحديد الموقف المناسب منها وكيفية التعاطي معها.
طبعا لا يمكن في مقال سريع سرد كل نتائج الثورة الإسلامية وانعكاساتها على الأوضاع العربية والإسلامية والدولية وتقديم تقييم شامل لهذه الثورة، لكن يمكن وضع بعض المعطيات والمؤشرات التي تشكل مدخلا لمثل هذه المناقشة والقراءة الموضوعية.
ولا بد من العودة سريعا للأوضاع السياسية التي كانت سائدة قبل الثورة عام 1979 ولا سيما بعد اتفاق كامب دايفيد وخروج مصر من الصراع العربي – الإسرائيلي وفشل معظم التجارب القومية واليسارية إن على صعيد مواجهة الكيان الصهيوني أو لجهة إقامة الدولة العربية المستقلة، كما كان شاه إيران يتحكم بالأوضاع في منطقة الخليج ويلقب بشرطي الخليج بدعم دولي ورضى إقليمي وكانت العلاقات قوية بين إيران والكيان الصهيوني، وكانت القوى والحركات الإسلامية في حالة تراجع أو انتظار أو ترقب.
وجاءت الثورة الإسلامية في إيران لتقلب الأوضاع العربية والإسلامية والدولية رأسا على عقب، فتسقط حكم الشاه الإيراني وتعطي الأمل مجددا للقوى الإسلامية بقدرتها على إقامة المشروع الإسلامي، وتحولت سفارة الكيان الصهيوني إلى سفارة لفلسطين، وأصبحت إيران محطة لكل القوى التحررية والإسلامية والنضالية، وتتالت الأوضاع في المنطقة لاسيما بعد الحرب السوفياتية على أفغانستان وبروز مواجهة قوية للاحتلال السوفياتي بدعم عربي وإسلامي ودولي ومن ثم الحرب العراقية – الإيرانية والاحتلال الصهيوني للبنان وبروز المقاومة الوطنية والإسلامية في لبنان واندلاع الانتفاضة الفلسطينية الشعبية ونشوء حركات المقاومة الإسلامية في فلسطين إلى جانب بقية القوى الفلسطينية.
لكن الخلافات برزت في المنطقة بين إيران وبعض القوى الإسلامية إن بسبب التطورات في سوريا ومجزرة حماة أو بسبب تطورات الحرب العراقية – الإيرانية أو لجهة اعتماد إيران للمذهب الشيعي في دستورها مع احترامها لبقية المذاهب، ولاحقا بسبب التطورات في أفغانستان والعراق وصولا للثورات الشعبية العربية والأزمات المختلفة في المنطقة وتحميل إيران مسؤولية إطلاق الأجواء المذهبية.
وخلال السبع وثلاثين سنة الماضية برزت تطورات عديدة حفلت بمحطات إيجابية وسلبية ولكن رغم كل الضغوط التي تعرضت لها إيران فإنها نجحت في إقمة دولة قوية فرضت نفسها في المعادلات الإقليمية والدولية وأقامت علاقات قوية مع قوى المقاومة والتي حققت إنجازات مهمة في مواجهة الكيان الصهيوني في لبنان وفلسطين.
ولا يكن تحميل إيران المسؤولية في كل ما تشهده المنطقة من صراعات وأحداث لأن هناك صراعات ومشكلات ليس لإيران أية مسؤولية أو دور فيها كما يجري في ليبيا أو في مصر أو السودان أو ما جرى في الجزائر في التسعينيات من القرن الماضي، وإن كانت إيران تتحمل مسؤولية بروز بعض الاتجاهات المذهبية مع أنها رفعت شعار الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب، كما برزت داخل إيران بعض الاتجاهات القومية والتحريضية والتي كانت ترفع شعارات الإمبراطورية الإيرانية، لكن في الوقت نفسه فإن إيران احتفظت بعلاقات قوية مع عدد من الدول العربية والإسلامية وحتى التي اختلفت معها في السياسة كما حصل مع الإمارات العربية المتحدة وباكستان وتركيا ودول شرق آسيا.
واليوم نحن أمام وقائع جديدة في المنطقة لاسيما بعد بدء الاتفاق النووي الإيراني وتحول إيران إلى قوة إقليمية ودولية، فإما أن نبحث عن نقاط التلاقي والمصالح المشتركة من خلال إعادة تقييم كل المراحل السابقة وتحديد الأخطاء والإشكالات الناتجة عن مختلف الصراعات، أو نذهب إلى صراع مفتوح مع إيران وتتحول منطقتنا إلى ساحة حرب تمتد إلى عشرات السنين ولا يخرج منها أحد منتصرا.
المسؤولية مشتركة بين العرب والإيرانيين وكل الأطراف والقوى والدول الإسلامية ولا يمكن تحميل المسؤولية لطرف دون آخر. لكن المهم البحث عن المصالح المشتركة والاتفاق على رؤية موحدة والخروج من أضغان التاريخ والعمل لبناء مستقبل مشترك وهذا هو الخيار الأفضل للجميع.