نشرت صحيفة "التايمز" البريطانية مقالا للفتاة الإيرلندية أميمة
حلاوة، سردت فيه قصة اعتقالها وسجنها هي وأختاها وأخوها في
مصر عام 2013.
وتقول حلاوة: "كان أخي متقدما للكلية في دبلن لدراسة الهندسة، وكان يحلم في بناء استوديو تسجيل خاص به، ولكنه اليوم يرزح في سجن النطرون، المعروف بسجن التعذيب، في غرفة مع مئات المساجين، حيث يشرب من مياه الحمام، وقد خسر من وزنه 30 كيلوغراما".
وتضيف الكاتبة أن العائلة لا تدري متى سيطلق سراح أخيها، وأنهم يدعون له بالنجاة، خاصة "أنني أعلم ما يحصل للسجناء في مصر، حيث إنني كنت سجينة".
وتتابع أميمة، ابنة الشيخ حسين حلاوة، وهو إمام أكبر مسجد في إيرلندا، بأن الكابوس بدأ في آب/ أغسطس 2013، عندما كانت هي وشقيقتاها الأكبر منها في القاهرة، في زيارة للأقارب خلال العطلة الصيفية، وكانت هناك مظاهرات ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي، مستدركة بأن السياسة لم تكن بخاطرهم عندما ذهبوا إلى زيارة مصر، وكانوا يخططون للسياحة والتسوق.
وتواصل الكاتبة قائلة إنه بعد وصولهم بفترة قصيرة، سمعوا بأن المشير عبد الفتاح
السيسي قام بعزل الرئيس محمد مرسي، وأن المؤيدين للرئيس المنتخب تجمعوا ليحتجوا في ميدان
رابعة، فذهبوا هناك وقضوا ثلاثة أسابيع معتصمين في الميدان، حيث تصف أجواء ذلك الاعتصام بـ"الرائعة".
وتقول حلاوة إن "الجيش بدأ بإطلاق النار علينا في 14 آب/ أغسطس. ورأيت الناس يقتلون ويصابون ويحرقون أحياء، وأصبح الاعتصام ساحة حرب، وأصيبت أختي فاطمة برصاصة مطاطية في ذراعها، وشعرنا بالغضب الشديد على العنف الذي أصبح يعرف فيما بعد بمذبحة رابعة (حيث قتل 600 شخص في ذلك اليوم)، فقررنا المشاركة في مظاهرة في ميدان رمسيس".
وتشير الكاتبة إلى أنه بمجرد وصولهم إلى مكان التظاهر بدأ الجنود يطلقون النار عليهم، وكان الناس يتساقطون، فهرب مئات الخائفين منهم إلى مسجد قريب، وتمترسوا فيه وبقوا محاصرين في مسجد الفتح لمدة 12 ساعة، حيث اتصلوا بوسائل الإعلام وبعائلاتهم، ولكن كان الجيش يطلق النار على كل من يحاول المغادرة.
وتبين حلاوة أنه بعد ذلك هاجمت قوات الأمن المسجد، وفجروا القنابل وقنابل الغاز، ووقف أخوها إبراهيم أمام أخواته لحمايتهن، وفقدت هي الوعي، وعندما أفاقت وجدت نفسها خارج المسجد، والناس يترنحون من استنشاقهم للغازات، مشيرة إلى أن مؤيدي السيسي كانوا يعتدون عليهم، ويحاولون نزع حجاب المحجبات، وقال رجل شرطة لهم إنهم إذا ذهبوا معه فإنه سيوصلهم إلى مكان آمن.
وتتابع الكاتبة في مقالها، الذي ترجمته "
عربي21"، بأنه تم وضعهم في سيارة شرطة "شاحنة صغيرة"، وأغلقت عليهم الأبواب، وتم وضع حوالي 60 رجلا في الخلف، حيث صاح الرجال قائلين إن رجلا مات وإن آخر فقد الوعي، فأجابهم الشرطي: "وماذا تريدونني أن أفعل؟.. أنا مجرد عبد مأمور".
وتصف حلاوة كيف وصلوا إلى سجن طرة في الصحراء، وتم فتح باب الشاحنة الخلفي، وجر الرجال واحدا تلو الآخر، وكيف رأوا أنه لا يزال هناك رجال في الشاحنة لا يستطيعون الحركة، فصاحت أختها فاطمة بأن هناك رجلين يموتان في داخل الشاحنة، فقال لها الشرطي: "دعيهما يموتان".
وتورد الكاتبة أنه عندما أخذوا إلى أحد المسؤولين، وقالوا له بأنهم مواطنون إيرلنديون، فإنه تحدث على الهاتف مع مسؤول أرفع منه، وكانوا يسمعون جانبا من الحديث، حيث سمعوه يقول: "نعم سيدي إنهم يتكلمون العربية، نعم سيدي يلبسون ملابس إسلامية".
وتلفت حلاوة إلى أنه بعد ذلك وصلت شاحنة أخرى، فرأت أخاها إبراهيم وكان معصوب اليد بقميص امتلأ بالدم، بسبب إصابته برصاصة، مبينة أن
النساء قضين ليلتهن في غرفة مكتظة ومليئة بالصراصير، وألقت الحارسة كسرة خبز لكل واحدة منهن، ينغل فيها الدود، وتحتوي على جبنة فاسدة، وكانت تسمع الرجال وهم يصيحون يريدون هواء للتنفس، ويشتكون من تسرب مياه المجاري التي أغرقت زنزانتهم.
وتوضح الكاتبة أنه عندما أخذن للتحقيق، سألهن الضابط عما إذا كن يقررن بالـ16 تهمة الموجهة إليهن، فسألت فاطمة: وما هي تلك التهم؟ فقال لها: "الأولى قتل المتظاهرين، والثانية حرق مركز شرطة الأزبكية، والثالثة انتسابكن لمنظمة إرهابية.."، وتقول: "ضحكنا من هذه التهم، فضحك وقال: نعم (فيلم هندي)، ولننتقل الآن إلى المسلسل التركي، في الوقت الذي انتقل فيه للحديث مع صحافي تركي تم اعتقاله".
وتذكر الصحيفة أن الفتيات بقين مسجونات في طرة لأربعة أيام، كن خلالها يسمعن صراخ الرجال من زنزانتهم، يصيحون ويطلبون من الحرس أن يقتلوهم، بدلا من تركهم على هذا الحال.
وبحسب حلاوة، فقد تم نقلهن إلى معسكر السلام، حيث وضعت هي وشقيقتاها مع 15 امرآة في زنزانة واحدة، وتقول إنهن كن يسمعن أصوات الرجال من زنازين أخرى، يصيحون من الألم، مشيرة إلى أن شرطيا كان يعذب في الزنزانة المجاورة؛ لرفضه قتل المتظاهرين السلميين.
وتتابع الكاتبة بأنه بعد ذلك تم نقلهن إلى سجن القناطر، حيث تم تجريدهن من الملابس، وقامت شرطية بتفتيشهن والاعتداء عليهن، ثم تم أخذهن إلى زنزانتهن، حيث كانت "ماما" (المفتشة) في انتظارهن، فأخرجت سكينا، وقالت لهن: هذا سيكون مصيركن إن تجاوزتن الحدود. وكان قد مضى عليهن ستة أيام دون أكل، وعندما سألوها عن الأكل، قالت إن كان عندكن سجائر تستطيعون الحصول على ما تريدون.
وتروي حلاوة أنه عندما أتت أمها لزيارتهن، وأحضرت معها بعض الطعام، فكان من قواعد السجن أن الطعام يذهب للضابط المسؤول عن الزيارة والباقي لـ "ماما"، فأكلت الفتيات بقايا الطعام، واضطررن للشرب من المرحاض، وكن يهددن دائما بالتعذيب وبعدم رؤية أهاليهن، لافتة إلى أن النساء اللاتي ليس لهن أقارب يحضرن لهن الطعام، عليهن البقاء جائعات، ورأين إحدى النساء تكسر مرآة، وتجرح أخرى في رقبتها لأخذ كسرة خبز.
وتخلص الكاتبة إلى أنه تم إطلاق سراحهن بعد ثلاثة أشهر في السجن، حيث قال لهن القاضي: "آمل أنكن تعلمتن شيئا من تلك الأشهر الثلاثة"، مشيرة إلى أن 566 عضو برلمان أوروبي قاموا بالتصويت لصالح قرار يطالب مصر بإطلاق سراح إبراهيم حلاوة المضرب عن الطعام منذ 140 يوما.