كشفت مجلة "فورين بوليسي" عن أن منظمة
أطباء بلا حدود لم تقدم لحكومة النظام السوري تفاصيل عن مواقع مستشفياتها التي تعرضت لهجمات يوم الاثنين؛ خشية تعرضها لهجوم مقصود من طيران النظام السوري.
وفي مكالمة أجرتها سيوبهان أوغاردي من "فورين بوليسي" مع مدير البحث في مركز التفكير والعمل الإنساني والمعرفة التابع لمنظمة أطباء بلا حدود فابريس ويزمان، قال إن الأطباء السوريين العاملين في العيادة في معرة النعمان تعرضوا للهجوم أكثر من مرة في السنوات الأخيرة، وظنوا أنهم يحمون أنفسهم بعدم الكشف عن مكان عملهم للقوى التي تقوم بغارات جوية في المنطقة.
ويشير التقرير إلى أنه بدلا من ذلك، فإن الأطباء الذين كانوا يستطيعون اتخاذ قرارات دون موافقة من منظمة أطباء بلا حدود، ربما كانوا يؤخرون المحتوم، فقد ضربت أربعة صواريخ المستشفى يوم الاثنين في هجوم تعتقد منظمة أطباء بلا حدود أنه نفذ عن قصد؛ إما عبر مقاتلات سورية أو روسية، وهي اتهامات نفتها موسكو بشكل كامل.
وتورد المجلة أنه قتل على الأقل 11 شخصا، من بينهم خمسة من العاملين في المستشفى وخمسة مرضى، ولا يعرف مصير شخصين، وتعرضت أربع منشآت طبية ومدرستان للغارات الجوية يوم الاثنين، وأدت إلى مقتل عشرات المدنيين.
وتنقل الكاتبة عن ويزمان قوله إن العاملين في مستشفى معرة النعمان يرون أن الكشف عن هوية الأطباء العاملين فيها لن يؤدي إلى حمايتهم، بل على العكس، فإنه "سيساعد الموالين للنظام للبحث عنهم وملاحقتهم".
ويلفت التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن منظمة أطباء بلا حدود تدير ثلاث
مستشفيات في
سوريا، اثنتان منها قرب حلب وأخرى في أطمة، وقدمت معلومات عن مواقع هذه المراكز الثلاثة لجيش النظام السوري.
وتستدرك المجلة بأن المنظمة تقوم بتقديم الدعم لـ150 مركزا طبيا ومستشفى في أنحاء متفرقة من البلاد، والكثير منها تعمل في مناطق يخشى الموظفون فيها من تعرضهم لهجمات، في حال اكتشفت حكومة النظام السوري أنها مؤسسات طبية يقدم العاملون فيها علاجا طبيا للمعارضة ضد بشار
الأسد، ولهذا أبقت عدة مؤسسات على موقعها وطاقمها سرا حتى لا تكون هدفا لطيران النظام.
وتذكر أوغاردي أن ممثل سوريا في الأمم المتحدة بشار الجعفري وصف مراكز منظمة أطباء بلا حدود بأنها "فروع للمخابرات الفرنسية"، وقال إن هؤلاء "يتحملون مسؤولية أفعالهم؛ لأنهم لم يستشيروا الحكومة السورية ولا يعملون بإذن منها". واتهم الجعفري التحالف الذي تقوده الولايات بتنفيذ غارات يوم الاثنين.
وبحسب ويزمان، فإن دقة الغارات تشير إلى أن
روسيا هي الطرف المحتمل الذي قام بالغارات، ويقول للمجلة: "إنها تذكرنا بما جربناه في الشيشان أثناء الحرب، حيث تبنى الجيش الروسي سياسة الأرض المحروقة ضد المؤسسات الطبية"، في إشارة للنزاع هناك في التسعينيات من القرن الماضي.
ويفيد التقرير بأن روسيا نفت بشدة الاتهامات الموجهة إليها، وقالت وزيرة الصحة فيرونيكا سكفورتوسفا إن تلك الاتهامات "تناقض أيديولوجيتنا". ورفضت موسكو مرارا الاتهامات، التي جاءت معظمها من البيت الأبيض، بأنها تستهدف فقط جماعات المعارضة المعتدلة.
وتنوه المجلة إلى أن
الهجمات الجوية الأخيرة على المستشفيات جاءت بعد يوم واحد من دعوة الرئيس أوباما نظيره الروسي فلاديمير بوتين، إلى كبح عمليات القصف قبل بدء تطبيق وقف إطلاق النار المتوقع بدؤه يوم الجمعة، مشيرة إلى أن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية جون كيربي انتقد الهجمات، وقال إنها "تلقي بظلال من الشك على استعداد روسيا للمساعدة في وقف الوحشية المستمرة التي يرتكبها نظام بشار الأسد ضد شعبه".
وتشير الكاتبة إلى أنه قتل في الحرب، التي توسعت بسبب رفض الأسد التنحي عن السلطة، مئات الآلاف، وشرد أكثر من 11 مليونا، وسمح بصعود تنظيم الدولة في العراق والشام، وأعلنت الأمم المتحدة عام 2014 توقفها عن إحصاء القتلى؛ بسبب عدم توفر الأمن، لكن المركز السوري لأبحاث السياسات قدر عدد القتلى بحوالي 470 ألف شخص، إما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
ويلفت التقرير إلى أنه يمكن إحصاء العاملين في القطاع الطبي ضمن ضحايا النزاع، وقدرت منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان، وهي منظمة غير ربحية، بأن 240 منشأة طبية على الأقل تعرضت لهجوم، وقتل ما يقرب من 700 من الأطباء والعاملين في القطاع الطبي، ونفذت القوات التابعة للنظام ما نسبته 90% من هذه الهجمات.
ويخبر ويزمان المجلة أن العاملين في مستشفى معرة النعمان شعروا بالخسارة، خاصة أن فرق المنظمة كانت تزور المستشفى بشكل منتظم قبل إجلاء موظفيها عن سوريا، وذلك بعد اختطاف تنظيم الدولة لعدد من العاملين عام 2014.
ويقول ويزمان للمجلة: "نعرف الأطباء شخصيا، ونعرف كيف كانوا يعملون"، ويضيف أن المستشفى كان يوفر الرعاية الصحية لحوالي 40 ألف مواطن يعيشون في البلدة، بالإضافة إلى 80 ألفا ممن شردتهم الحرب، مشيرا إلى أنه لم يبق من الأطباء سوى السوريون الذين رفضوا المغادرة رغم المخاطر التي يتعرضون لها.
وتورد أوغاردي أن الذين قتلوا يوم الاثنين يضافون إلى قائمة الموظفين والأطباء الذين قتلوا من المنظمة، ففي تشرين الأول/ أكتوبر قتل 42 شخصا، بينهم عاملون طبيون في مركز طبي تابع للمنظمة في مدينة قندوز الأفغانية، وبحسب منظمة أطباء بلا حدود، فقد حاول الموظفون الاتصال وإرسال رسائل هاتفية للأمريكيين والأفغان عندما بدأ الهجوم. مبينة أن مؤسسة طبية تابعة للمنظمة في اليمن تم استهدافها.
ويقول ويزمان إن منظمته تشعر بالخيبة لأنها حددت المسؤولين عن هذه الهجمات، فهم إما دول أعضاء في مجلس الأمن، أو حلفاء محليون لها، دون أن تتخذ إجراءات ضدهم، ويضيف: "هناك أشكال واضحة برزت في الستة أشهر الأخيرة".
وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى قول ويزمان: "نحن لا نتحدث عن أمراء حرب في مناطق لا يحكم فيها القانون أو جماعات مسلحة، إنما نتحدث عن الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، أو الجماعات المتحالفة معها، وهي متورطة في استهداف المستشفيات".