أعلنت النخبة الثقافية المؤيدة لرئيس الانقلاب عبد الفتاح
السيسي، الحرب على القوانين التي تعاقب على خدش الحياء العام وازدراء الأديان، وتزايدت مطالبها وحملاتها في الساعات الأخيرة من أجل تعديل هذه القوانين، بادعاء أنها تصادر حرية الفكر والإبداع، بحسب تعبيرهم.
جاء ذلك رد فعل على حكم محكمة مستأنف جنح بولاق، السبت، بحبس الروائي أحمد ناجي لمدة عامين، وتغريم رئيس تحرير صحيفة "أخبار الأدب" طارق الطاهر، عشرة آلاف جنيه (الدولار قرابة ثمانية جنيهات)، بتهمة "نشر مواد أدبية تخدش الحياء العام، وتنال من قيم المجتمع"، وذلك بعد قبول طعن النيابة على حكم محكمة أول درجة ببرائتهما.
وكانت محكمة الجنح قضت ببراءة ناجي ورئيس التحرير، من الاتهامات، لكن النيابة العامة طعنت على الحكم.
وتعليقا على الحكم، فقد قالت صحيفة "الوطن" الاثنين، إن حبس ناجي يحشد المثقفين في مواجهة الدولة، فيما قالت "الشروق" إن "تناقض قانون العقوبات مع الدستور يهدد الأدباء والمفكرين بتكرار أحكام الحبس".
وفي الوقت ذاته، صدرت بيانات شجب وإدانة عدة من مثقفين
مصريين، وأخرى تطالب بعقد مؤتمر عاجل للدفاع عن حرية التعبير، وثالثة طالبت بالذهاب إلى النائب العام لوقف تنفيذ الحكم.
ونال الحكم موجة شديدة من الإدانات من الأدباء والكتاب، فضلا عن إنشاء حملات تضامن مع ناجي على موقع "فيسبوك".
قصة الدعوى
وكان رئيس نيابة بولاق أبو العلا المستشار أحمد فاروق، قرر إحالة أحمد ناجي حجازي، الصحفي بجريدة "أخبار الأدب"، ورئيس تحريرها، إلى محكمة الجنايات، بتهمة نشر وكتابة مقال "جنسي خادش للحياء"، على إثر نشر فصل من رواية ناجي "استخدام الحياة" في الجريدة، التي تصدر من مؤسسة "أخبار اليوم" الحكومية.
وجاء في أمر الإحالة أنه "بسبب نشر المتهم مادة كتابية نفث فيها شهوة فانية، ولذة زائلة، وأجر عقله، وقلمه لتوجه خبيث، حمل انتهاكا لحرمة الآداب العامة، وحسن الأخلاق، والإغراء بالعهر، خروجا على عاطفة الحياء، وعن المثل العامة المصطلح عليها فولدت سفاحا مشاهد صورت اجتماع الجنسين جهرة".
وأضافت النيابة في الإحالة: "وما لبث المتهم أن ينشر سموم قلمه برواية أو مقال حتى وقعت تحت أيدي القاصي قبل الداني والقاصر والبالغ، فأضحى كالذباب لا يرى إلا القاذورات فيسلط عليها الأضواء والكاميرات حتى عمت الفوضى، وانتشرت النار في الهشيم".
وأشارت النيابة إلى أن المتهم الثانى طارق الطاهر، رئيس تحرير الجريدة، أيد ذلك عندما سألته النيابة عما إذا كان قد راجع المقال، فقال "إنه راجع العنوان دون قراءة النص كاملا، وإنه ما كان ليسمح بنشره إذا قرأه تفصيليا".
وبعد انتهاء التحقيقات أحالت النيابة العامة المتهمين إلى محكمة الجنح ، باعتبار أن ما نشراه يشكل جريمة تهدد أمن المجتمع، وسلامته.
ومن جهته، علق محامي الروائي، محمود عثمان، على الحكم فأكد أنه نهائي، وأنه أوقع أقصى عقوبة على الكاتب، ما يتعارض مع المادة 67 من الدستور، التي تمنع أي عقوبة سالبة للحرية على أي مبدع.
وكشف أنه تم التحفظ على الكاتب وترحيله لتنفيذ العقوبة، مشيرا إلى اتجاههم لعمل استشكال على الحكم.
عيسى يقود الحملة
وقاد الحملة على الحكم إبراهيم عيسى، وعدد من الكتاب والصحفيين والمخرجين، واستخدموا لغة غير مسبوقة في مهاجمة نظام السيسي، ما اعتبره مراقبون ضوءا أخضر من السيسي لهم، كتمهيد للأجواء من أجل تغيير هذه القوانين، انطلاقا من برلمانه، الذي تشكل بمعرفة أجهزته الأمنية، وفق عيسى نفسه.
وقد سخَّر عيسى جريدة "المقال"، التي يرأس تحريرها من أجل التنديد بهذا الحكم والأحكام المماثلة، التي صدرت أخيرا بحبس كل من إسلام البحيري (حكم نهائي)، وفاطمة ناعوت (حكم ابتدائي أولي)، وأحمد ناجي (حكم نهائي).
وبحسب مقاله: "دولة السيسي الدينية تحبس الأدباء"، الاثنين، خاطب عيسى "السيسي"، قائلا: "بعد ثلاثين يونيو.. دولتك تسجن الناس من أجل أفكارهم ورواياتهم.. ما الذي جرى بالضبط جعل وطنا يستدير معك إلى عصر تفتيش الضمائر، ومحاكمة العقل، وسجن الكتاب والأدباء؟".
وتابع: "قل كما شئت يا سيادة الرئيس، وتحدث في مؤتمراتك، وخطاباتك كما تريد، لكن واقع دولتك شيء آخر.. دولتك تهدر الدستور وتطارد المفكرين والمبدعين وتحبس الكتاب والأدباء.. دولتك دينية يا سيادة الرئيس، وأنت تتحدث طول الوقت عن مدنية حديثة.. أين هذه الدولة المدنية؟ أين تراها؟".
وأردف: "من جعل فترة حكمك مرتعا للمطوعين، وجماعة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، كأنها ترعى في شوارع جدة والرياض؟ إذا لم تكن تعلم فتلك مصيبة، وإن كنت تعلم فتلك مصيبة أعظم".
واستطرد: "من أين يستمد هذا القانون الكريه شرعية حبس كاتب؟".
مطالب بتغيير القوانين
وطالب رئيس اتحاد الكتاب، علاء عبدالهادي، مجلس النواب وجمعيات المجتمع المدني، بإسقاط كل القوانين التي تخالف أحكام الدستور في قضايا حرية الرأي والتعبير وما يخص الإبداع.
وأعلن عبدالهادي - في تصريحات صحفية - أن الاتحاد يقف مع قضايا الرأي والإبداع، قائلا: "اتحاد الكتاب يقف مع قضايا الرأي والإبداع، ويجب ألا يمس أمن الكاتب أو المبدع أو المفكر بسبب رأى أبداه، أو معتقد اعتنقه".
ومن جهته، قال رئيس اتحاد الكتاب الأسبق، محمد سلماوي: "آن الأوان للدولة أن تنظر في أمر القضاء لنرى لماذا يفضل بعض القضاة تجاهل الدستور والالتزام بقوانين تؤسس للدولة الدينية المتزمتة، التي سقطت بسقوط الإخوان"، وفق زعمه.
ودعا سلماوي الكتاب والمثقفين والمدافعين عن الدستور وحرية الإبداع إلى "وقفة صارمة ضد الانتهاك غير المقبول لدستور ثورتي 25 يناير و30 يونيو"، بحسب تعبيره.
ثناء على مدنية الإخوان
ومن المفارقات أن نخبة السيسي أثنت، في معرض هجائها لقوانين الحبس، على ما اعتبرته "مدنية الإخوان".
وبحسب إبراهيم عيسى: "دولتك تشهد مطاردات قانونية للأدباء أكثر مما شهدته في عام الإخوان نفسه، وأكثر بالتأكيد مما لقيه أصحاب الرأي والفكر وأهل الإبداع في عصر مبارك"، على حد قوله.
وأشار المخرج عمرو سلامة على صفحته بموقع "فيسبوك"، إلى أنه "في وقت حكم الإخوان لم يكن يحدث ربع ما يحدث الآن من أحكام ضد كتاب وسينمائيين ومفكرين، وبعضهم فعليا خلف القضبان، وذلك بخلاف وقف البرامج والمسلسلات ومنع الأقلام وقصفها"، بحسب قوله.
وتابع: "وقت الإخوان كانت تنظم الوقفات والاعتصامات، أما الآن بالكاد أحدهم يعترض على الفيسبوك، في حين أن الآخرين (ودن من طين والأخرى من عجين)"، مشددا على "أننا لم نتخلص من نظام طائفي ديني، ليأتي نظام آخر يعادي حرية الفكر والتعبير والإبداع بهذا القدر المشين"، وفق تعبيره.
دعوة لعقد مؤتمرات
وتزايدت الدعوات المطالبة بعقد مؤتمرات ضاغطة على السلطة من أجل اتخاذ موقف إزاء الحبس في قضايا النشر، وفق هؤلاء الداعين.
وأصدرت "ورشة الزيتون" الثقافية، بيانا طالبت فيه بعقد مؤتمر واسع، وعلى نحو عاجل، ودعوة جميع الأطراف والاتجاهات المعنية ومؤسسات المجتمع المدني، لمواجهة الأخطار المحدقة التي تحيط بحرية التفكير والإبداع والتعبير من جميع الزوايا، بحسب البيان.
وأعلن المنتج محمد العدل، تنظيم مؤتمر صحفي بمقر نقابة الصحفيين، الخميس المقبل، بالتعاون مع النقابة واتحاد النقابات الفنية واتحاد الكتاب وجمعية نقاد السينما واتحاد الناشرين العرب.
وقال: "نحن ضد فكرة الحسبة بأن يقوم أي شخص برفع قضية ضد أي كاتب أو مفكر".
احتجاج بمساحة بيضاء
ولأول مرة، احتج أحد الكتاب، بطريقة الامتناع عن الكتابة.
فترك "عمار علي حسن" عموده "ضمير" بجريدة "الوطن"، الاثنين، فارغا بلا كتابة، وعبارة عن مساحة بيضاء، "تضامنا مع سجناء الرأي"، كما قال، ويقصد بهم أولئك الكتاب، وليس آلاف الصحفيين والناشطين والمواطنين العاديين الذين يرزحون تحت نير سجون السيسي.
أربع طلبات لوقف الحبس
وتلقى مكتب النائب العام أربعة طلبات من كل من نقابة الصحفيين ومؤسسة حرية الفكر والتعبير، الأحد، لوقف تنفيذ عقوبة حبس الروائي، لحين البت في القضية أمام محكمة النقض.
والتمس الوكيل عن المتهم، المحامي محمود عثمان، من النائب العام، إخلاء سبيل "ناجي".
وجاء في الالتماس المقدم من نقيب الصحفيين، أن مدة العقوبة المقضي بها (عامين) قد تجاهلت الصحيح من الدستور، والقانون.
"احرق عملك الإبداعي"
وفي موازاة ما سبق، دعا مثقفون - على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" - إلى تدشن حملة تحت عنوان "احرق عملك الإبداعي"، مطالبين بتجميع نسخ من أعمالهم سواء كانت كتبا أم صورا فوتوغرافية أم لوحات فنية، والقيام بحرقها أمام مقر دار القضاء العالي بالقاهرة، كخطوة رمزية احتجاجا على الحكم.
ووفق صحيفة "الوطن"، الاثنين، أبدى كتاب ومثقفون تضامنهم مع دعوة حرق الكتب، ومنهم: إبراهيم عبدالمجيد، وأحمد الشهاوي، وعماد أبو غازي وزير الثقافة الأسبق.