نشرت صحيفة "إندبندنت" البريطانية، تقريرا للكاتب باتريك كوكبيرن، يصف فيه الوضع في مدينة
الموصل، التي وصل فيها قمع
تنظيم الدولة حدا لا يوصف، مشيرا إلى أن لاجئين إلى مناطق كردستان
العراق يصفون الحال فيها بأنه صعب، ويشبه العصر الحجري، وأن التنظيم يعذب بـ"
العضاضة"، وهي أداة حديدية استحدثها التنظيم لمعاقبة النساء اللاتي لا تغطي ملابسهن أجسادهن بالكامل.
ويقول الكاتب إن مديرة مدرسة سابقة، فرت هذا الشهر من الموصل، وصفت الأداة بأنها تسبب ألما عظيما للمرأة، وينقل عن فاطمة (22 عاما)، وهي ربة البيت التي هربت من الموصل بعد عدة محاولات للفرار؛ لأن أولادها كانوا يتضورون جوعا، ولأن تنظيم الدولة أصبح أكثر عنفا وسادية، مقارنة مع العام السابق، خاصة مع المرأة، قولها: "أصبحت العضاضة كابوسا".
ويشير التقرير إلى أن فاطمة، التي جاءت إلى معسكر مبروكة، قرب بلدة رأس العين، التي يسيطر عليها الأكراد، تقول: "عوقبت شقيقتي الشهر الماضي بطريقة قاسية؛ لأنها نسيت قفازي يديها في البيت". ويحرم التنظيم على المرأة الخروج من البيت دون محرم، ويجبرها على ارتداء الحجاب والسراويل الفضفاضة والقفازات.
وتضيف فاطمة للصحيفة أن "العضاضة" تركت رضوضا وعلامات واضحة على ذراعها، ونقلت عن شقيقتها قولها إن "العقاب بالقرص أكثر ألما من المخاض". ويصف شهود العضاضة بأنها أداة تشبه مصيدة الحيوانات أو على شكل فك بأسنان.
ويعلق كوكبيرن قائلا إن الهروب بات صعبا من الموصل، التي يسيطر عليها تنظيم الدولة منذ حزيران/ يونيو 2014، مستدركا بأن الناس يهربون إلى
سوريا، ومنها إلى مناطق الأكراد هناك، وبعدها إلى كردستان العراق.
ويلفت التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن الهاربين ينفقون على تدهور الأوضاع في المدينة، فهناك نقص حاد في كل شيء، من الطعام والوقود والمياه والكهرباء، مبينا أنه رغم أن تنظيم الدولة مارس العنف منذ بداية حكمه للموصل قبل 20 شهرا، إلا أن الجلد والقتل والإعدام والصلب بات أمرا شائعا في الأشهر الأخيرة.
وتنقل الصحيفة عن السكان قولهم إن المتطوعين السعوديين والليبيين، الذين انضموا للتنظيم، هم من يقومون بمعاقبة الناس على أي شيء مهما كان بسيطا، مشيرين إلى أن "مقاتلي تنظيم الدولة والمسؤولين كانوا يعوضون عن النكسات الحربية التي تكبدوها، من خلال إظهار القوة أمام السكان الذين يسيطرون عليهم".
ويورد الكاتب نقلا عن إبراهيم (26 عاما)، وهو صيدلاني فر من الموصل في 16 كانون الثاني/ يناير، قوله إن الطعام المتوفر لدى الناس قليل، وإن الدواء محدود، ويضيف: "أصبحت صيدلتي نصف فارغة من الدواء"، مشيرا إلى أن مصانع الأدوية حول الموصل توقفت عن تصنيع الأدوية، ولم تعد الكميات المستوردة من سوريا كبيرة.
ويفيد التقرير بأن "مسكن الألم، مثل حبة (البنادول) يكلف جنيها إسترلينيا، أما زجاجة الدواء فثمنها ثمانية جنيهات إسترلينية، وهناك نقص في الطعام، والمتوفر منه مكلف، فقد أصبحت (الخلافة) مقطوعة عن العالم الخارجي؛ نظرا لإغلاق الحدود مع تركيا وبقية سوريا، ولا يتوفر فيها المال للإنفاق بعد الغارات الجوية على المنشآت النفطية.
وتستدرك الصحيفة بأنه رغم استمرار بغداد في دفع رواتب عمال الخدمة المدنية، إلا أن إبراهيم يقول إنه لم يتلق راتبه منذ تسعة أشهر، "وأنفقت مدخراتي كلها"، ويضيف: "كان يمكن للعائلة أن تعيش على 500 دولار في الشهر، أما الآن فلا يمكنها العيش حتى بألف دولار؛ لأن الأسعار تضاعفت".
ويذكر كوكبيرن أن اللاجئين يتحدثون عن انتشار الجوع في المدينة؛ بسبب الحصار الاقتصادي، وتقول فاطمة: "بالنسبة لي يمكنني تحمل المعاملة السيئة ونقص الطعام، لكن عندما بدأ صغيري البالغ من العمر 11 شهرا يشعر بالجوع أصبح من المستحيل البقاء"، مستدركا بأنه رغم أن حليب الأطفال متوفر، إلا أنه مكلف، ومن الصعب الحصول عليه، أما سعر كيلو الأرز، فقد وصل إلى 10 دولارات أمريكية.
ويبين التقرير أن هذه المشكلات ليست منحصرة في الموصل فقط، لكن في المناطق الزراعية أيضا، حيث يترك المزارعون مناطقهم؛ نظرا لعدم توفر الكهرباء لضخ المياه اللازمة لري المحاصيل، كما يقول غانم (25 عاما)، الذي يضيف أنه لم يهرب من الموصل بسبب الأوضاع السيئة، ولكن لأن "تنظيم الدولة يدس أنفه في تفاصيل حياة الناس اليومية، ويفرض الغرامات والعقوبات العشوائية".
وتعلق الصحيفة بأن السخط الشعبي من تنظيم الدولة لا يترجم لمقاومة لحكم الخلافة، ولم تتم ملاحظة أي احتجاجات عامة أو حوادث مقاومة لتنظيم الدولة، ويستخدم الجهاديون ذراعهم الأمنية لمواجهة أي معارضة.
ويرى الكاتب أن نقص الغذاء، الذي يؤثر في حياة الناس العاديين، يؤثر بالضرورة في حياة المقاتلين، الذين يجب أن يكون لديهم طعام وماء للقتال، لكن رواتبهم انخفضت إلى النصف بسبب تراجع موارد "الدولة".
وينوه التقرير إلى "الهجمات التي يتعرض لها التنظيم من أعدائه الكثر وغير المتحدين، خاصة الجيش العراقي والبيشمركة وأكراد سوريا، وهي قوى ليست كبيرة، لكن ذخائرها زادت بسبب الدعم الأمريكي والروسي، ما يجعل من الصعوبة بمكان على تنظيم الدولة الاحتفاظ بمواقع ثابتة دون تكبد خسائر فادحة".
ويستدرك كوكبيرن بأن "تنظيم الدولة يجيد حرب العصابات، ويهاجم الطرق والنقاط الضعيفة التي تربط مناطق الحكومة ما بين حمص وحلب، وهناك إشارات على تزايد مظاهر الفساد والتفكك داخل تنظيم الدولة، فحقيقة هروب عدد كبير من السكان من الموصل رغم القيود المفروضة يعني أن التنظيم لم يعد قادرا على فرض تعليماته كما كان من قبل".
وتختم "إندبندنت" تقريرها بالإشارة إلى أن المهربين يطلبون ما بين 400 إلى 500 دولار لنقل الناس سرا، وقد يذهب البعض إلى التنظيم، ويدفع له مقابل السماح له بالسفر. ويقول غانم إنه شعر بالخوف عندما ترك الموصل إلى سوريا، إلا أن المهرب طمأنه، وقال له: "لا تقلق، المال يجعل كل شيء ممكنا، وسيحصلون على حصتهم"، أي تنظيم الدولة.