ظلت أحاديث الاصطفاف الثوري في
مصر تراوح مكانها سواء لخشية البعض من الإقدام على تأسيس كيان جديد يكرر أخطاء كيانات سابقة، أو لتربض البعض بأي خطوة على طريق هذا الاصطفاف ووصمها بما ينفر الناس منها، لكن التقاء مجموعة من الرموز الشبابية الممثلة لألوان سياسية متنوعة يوم السبت الماضي وإعلانها عن بيان مبادئ للعمل المشترك بينها كان كسرا لحالة الجمود التي سيطرت على الشارع الثوري مؤخرا، وفي اعتقادي كانت تلك الخطوة شجاعة من هذا الفريق الشبابي المتنوع الذي لم يخش السهام الطائشة التي ستصوب عليه من الأصدقاء قبل الخصوم.
أغلب الظن أن أصحاب المبادرة الشبابية لم يكونوا يستهدفون حشدا كبيرا في طلتهم الأولى، بل كانوا يستهدفون تقديم رموز لألوان القوى الثورية حيث عمار البلتاجي (نجل القيادي محمد البلتاجي) يمثل اللون الإسلامي فيما يمثل محمد كمال ومنذر عليوة اللون الليبرالي وتمثل غادة نجيب اللون اليساري ويمثل عبد الرحمن يوسف ومحمد طلبة رضوان اللون المستقل، وفي ظني أيضا هذه أول مرة تجتمع هذه الألوان تحت سقف واحد بعد محاولات فاشلة لجمعها سابقا على مدار أكثر من عامين.
الشباب الستة الذين ظهروا في المؤتمر الصحفي الذي عقد في إسطنبول ظهر السبت لا يمثلون تنظيمات أو قوى ثورية بعينها (رغم انتماء بعضهم لتنظيمات) بل إنهم كما ذكرت يمثلون ألوانا، والألوان مظلة أوسع من التنظيمات والكيانات فاللون الإسلامي مثلا أكبر من تنظيم الإخوان المسلمين أو الجماعة الإسلامية أو السلفيين الخ ،واللون اليساري أوسع من مجموعة الاشتراكيين الثوريين أو الأحزاب اليسارية الأخرى وكذا اللون الليبرالي أوسع من 6 إبريل والأحزاب الليبرالية، ورغم أن عدم تمثيلهم لكيانات أو تنظيمات سياسية أو ثورية يمثل نقطة ضعف في أحد جوانبه، إلا أنه يمثل نقطة قوة في جانب آخر وهو التحرر من قيود التنظيمات التي تتمترس حول بعض المبادئ والأفكار والرؤى التي لا تستطيع أن تحيد عنها وتخشى مواجهة جمهورها بسببها، لكن التحدي الأكبر أمام هذه المبادرة الشبابية هو قدرتها على تحقيق نجاحات عجز عن تحقيقها الكبار، بالتأكيد سيكون الهجوم كثيفا ومتنوع المصادر على هذه المبادرة كما كان في مواجهة أي مبادرة أخرى لتحريك المياه الثورية الراكدة، لكن تحقيق بعض النجاحات المهمة سيخرس تلك الألسنة، وسيجعل أصحابها يستحون من أنفسهم، خاصة أن الكثيرين منهم لا يملكون سوى الكلام والثرثرة دون التحرك لتحقيق شيء يدعم
الثورة والثوار.
هناك مخاوف مشروعة أن تلحق هذه المبادرة الشبابية بمبادرات العواجيز في الفشل، وهناك مخاوف من التسرع في إعلان كيان جديد، وسط أجواء لا تحبذ هذا الأمر، وهناك مخاوف من حرق هذه الرموز أو على الأقل بعضها ممن لايزال يحتفظ بنقائه الثوري، ومحبة الجميع له، لكن كل تلك المخاوف لا ينبغي أن تقف حجر عثرة أمام التحرك للأمام والخروج من حالة الركود الثوري الحالية التي سمحت للسيسي أن يتمدد رغم إقرار الجميع أنه شخص ضعيف.
لقد عبر أصحاب مبادرة إعلان فبراير أنهم لا يمثلون كيانا جديدا يضاف إلى كيانات كثيرة، بل إنهم تيار موجود داخل سائر الجماعات السياسية، وسائر الأحزاب، في داخل مصر وخارجها، وأن هذه المبادرة تحاول أن تعبر عن هذا التيار، وتوحده، وبالتالي فهم لا ينافسون أحدا، ولا يقصون أحدا، وليسوا بديلا عن أحد، بل يسعون لملء فراغ كبير دون أن يزاحموا الآخرين في أداء أدوارهم.
يدرك أصحاب المبادرة انهم يسيرون في حقل من الأشواك، بل من الألغام، ومع ذلك يصرون على بذل الجهد دون يأس أو ملل، لتحقيق الاصطفاف الفعلي على مبادئ يناير وتجاوز الخلافات والمعارك الصغيرة بين الأفراد والكيانات التي تؤمن بها، وهنا سيواجهون مشكلة مع قضية التمسك بعودة الشرعية ممثلة في الرئيس مرسي، حيث يحتاج هذا الأمر منهم أو من غيرهم لاجتهاد يحترم الإرادة الشعبية، ويحترم الدماء التي سالت بينما كان أصحابها يرفعون صور الرئيس مرسي، ويحترم الصامدين في الشوارع حتى اليوم حاملين صور مرسي أيضا، وحسنا أن نصت المبادرة على مد الأيادي إلى المناضلين الصامدين في الداخل، والتعاون مع هؤلاء الذين اضطرتهم سلطة الانقلاب العسكري إلى الخروج، واحترام تجارب وخبرات السابقين، وحسنا أيضا أن أكدت المبادرة على الطريق الثوري الجماهيري، وعلى أن سلمية الثورة هو طريقها الصحيح والوحيد، ورفض الانجرار إلى مستنقع العنف، الذي لا تحتمله الثورة، ولا يحتمله الوطن، ولا يريده سوى النظام القمعي، الاستبدادي، الذي يقتل مواطنيه!
تبقى الإشارة إلى أهمية الدعوة إلى مؤتمر وطني جامع والتي تضمنتها المبادرة في بندها السابع والأخير باعتباره طوق النجاة وواجب اللحظة لإنقاذ الوطن من الغرق على يد جنرال معتوه، والحفاظ على مصر قبل أي شيء، وباعتبار هذا المؤتمر هو القادر على إنتاج خطة إنقاذ الوطن ومشروع لدولة يناير يتوافق عليه الجميع.
هل ينجح أصحاب هذه المبادرة الشبابية في تحقيق ما عجز عنه عواجيز الثورة ، وهل ينجحون في تكرار حالة النجاح التي مثلها لبعض الوقت ائتلاف شباب الثورة من قبل، والذي كان بوتقة تضم ألوان سياسية متنوعة أيضا؟؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة، وهذا ما نتمناه لهم.