وصف حقوقيون
مصريون إعادة فتح التحقيق في القضية رقم 173 لسنة 2011، المعروفة إعلاميا باسم "التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني"، بأنه مجرد "فرقعة إعلامية"، من أجل شغل الرأي العام عن قضايا أخرى أكثر أهمية فيما رأى فريق ثان أنها تستهدف التعمية على قرار البرلمان الأوروبي الصادر بخصوص حقوق الإنسان في مصر، ورأى فريق ثالث أن هدفها تخويف
الحقوقيين المصريين من الاستمرار في نقل حقائق الانتهاكات التي تتعرض لها حقوق الإنسان في مصر، لا سيما بعد أن حملهم الإعلام الرسمي مسؤولية صدور هذا القرار.
في البداية، أيد مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، جمال عيد، الرأي الذي يقول إن إعادة فتح التحقيق في القضية، هو مجرد مجرد "فرقعة إعلامية"، ومحاولة لشغل الرأي العام عن قضايا أخرى أهمها قرار البرلمان الأوروبي بخصوص حقوق الإنسان بمصر.
لكن صحيفة "الشروق"، في عدد الأربعاء، أكدت أن العاملين بحقل المجتمع المدني في مصر يخشون حاليا من أن تؤدي أنشطتهم التي قد تعتبرها بعض أجهزة الدولة مناوئة لها، أو متصادمة مع مصطلحات قانونية واسعة ومطاطة كالنظام العام والسلم العام إلى أن تطبق عليهم المادة 78 من قانون العقوبات، التي تم تعديلها بقرار بقانون أصدره رئيس الانقلاب عبدالفتاح
السيسي في 23 أيلول/ سبتمبر 2014.
وتعاقب المادة، "بالسجن المؤبد كل من طلب لنفسه أو لغيره، وقبل، أو أخذ، ولو بالواسطة، من دولة أجنبية أو ممن يعملون لمصلحتها أو من شخص طبيعي أو اعتباري أو من منظمة محلية أو أجنبية أو أية جهة أخرى لا تتبع دولة أجنبية، ولا تعمل لصالحها، أموالا سائلة أو منقولة أو عتادا أو آلات أو أسلحة أو ذخائر أو ما في حكمها أو أشياء أخرى أو وعد بشيء من ذلك بقصد ارتكاب عمل مضر بمصلحة قومية أو المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها أو القيام بأعمال عدائية ضد مصر، أو الإخلال بالأمن والسلم العام".
حملة عقب القرار الأوروبي
وكان الإعلام المصري شن حملة على المنظمات الحقوقية المصرية، اتهمها فيها بأنها لم تتوقف لحظة عن إرسال تقارير كاذبة تزعم انتهاك حريات
الإرهابيين، وتدعي تعذيب واختفاء مواطنين قسريا، وترسل تلك التقارير إلى أولياء نعمتها سواء الاتحاد الأوروبي أو البرلمان الأوروبي أو منظمات العفو الدولية، ومنظمة هيومان رايتس واتش، وغيرها من أذرع الكيان "الصهيو ماسوني العالمي".
وزعم المحامي والحقوقي الموالي للسيسي، صلاح سليمان، أن هناك منظمات حقوقية داخل مصر تنفذ أجندة مخابرات أجنبية، وأخرى تابعة للإخوان.
وأضاف أن العمل الحقوقي في مصر أصبح "سبوبة"، محذرا من أن هناك منظمات تعمل بشكل جاد لإسقاط الوطن.
المصري الديمقراطي: تسييس للأمور
لكن مدير إدارة المعهد المصري الديمقراطي، وهو أحد منظمات المجتمع المدني المتهمة بالتمويل الأجنبي في القضية، حسام الدين علي، قال إن بعض الاستدعاءات التي تمت لبعض العاملين في منظمات المجتمع المدني في القضية المعروفة إعلاميا بـ"التمويل الأجنبي للمنظمات الحقوقية"، تدخل ضمن تسييس الأمور بشكل كبير.
واعتبر علي، أن قرار البرلمان الأوروبي الذي أدان حالة حقوق الإنسان في مصر قد ساعد في تحريك الأمور بشكل كبير مما دفع الحكومة لفتح التحقيق.
وأكد أن المنظمات ليس لديها ما تخشاه، خاصة بعد أن استجاب بعضها لدعوة وزارة التضامن الاجتماعي لتوفيق أوضاعها في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، ومن بينها المعهد.
وتابع: "كان يجب على الدولة أن تفتخر بنا مش يجرجرونا في المحاكم"، مؤكدا أنه "ممنوع من السفر منذ ما يقرب من عام ونصف العام على الرغم من خضوع المركز للتفتيش من قبل لجنة مشكلة من قاضي التحقيق ووزارة التضامن".
وتوقع "رفع المنع من السفر في خلال فترة قريبة، وحفظ القضية"، معتبرا أنه "لا يمكن أن تصدر أحكام في القضية خاصة أن ما تم من المنظمات منذ 2011 كان في إطار القانون، ولم تكن هناك مخالفات".
وقائع "القضية 173 تمويل"
وتعود وقائع القضية "
173 تمويل" إلى ما بعد ثورة 25 يناير عام 2011، عندما تم اقتحام فروع منظمات المجتمع المدني الأجنبية في مصر، وعدد من المنظمات المصرية، في أواخر كانون الأول/ ديسمبر 2011.
وتم تخصيص القسم الأول من القضية للمنظمات الأجنبية، وأحيل للقضاء، وفصلت فيه محكمة جنايات القاهرة في 4 حزيران/ يونيو 2013 بمعاقبة المتهمين بالحبس لفترات تتراوح بين سنة مع وقف التنفيذ، والسجن خمس سنوات للغائبين، مع حل فروع منظمات المعهد الجمهوري الديمقراطي، والمعهد الديمقراطي الوطني، وفريدم هاوس، والمركز الدولي للصحفيين، ومركز كونراد أديناور.
وتم تخصيص القسم الثاني من القضية للمنظمات المحلية، التي تضمنها تقرير لجنة تقصي الحقائق، التي تم تشكيلها بقرار مجلس الوزراء في 3 تموز/ يوليو 2011، "بشأن ما أثير حول التمويل الأجنبي للجمعيات والمنظمات غير الحكومية التي تمارس نشاطها داخل مصر".
وكشفت "الشروق"، أنه تم إسناد مهمة التحقيق في القضية إلى هيئة تحقيق مكونة من ثلاثة قضاة، وسط تأكيدات من مصادر قضائية مطلعة بصدور قرارات استدعاء وشيكة لعدد من ممثلي وموظفي المنظمات المصرية، وكذلك استدعاء عدد المسؤولين السابقين والحاليين، لسماع شهاداتهم في القضية.
وتضم قائمة النشطاء الحقوقيين والسياسيين، المشتبهين في القضية، كلا من إسراء عبدالفتاح، وحسام الدين علي، وأحمد محمد غنيم.
وقالت الصحيفة إن تقرير لجنة تقصي الحقائق، وكذلك شهادات وزيرة التعاون الدولي السابقة ومستشارة الرئيس الحالية للأمن القومي، فايزة أبو النجا، يعتبر من أبرز الوثائق التي صنعت قضية التمويل الأجنبي، خاصة أن "أبو النجا" كانت المحرك الحكومي الأول للقضية.
وكانت محكمة جنايات القاهرة في حكمها المتعلق بالجزء الخاص بالمنظمات الأجنبية من القضية، نسبت للمتهمين اتهامات تأسيس وإدارة فروع لمنظمة دولية بغير ترخيص، وتسلم وقبول أموال ومنافع من هيئات خارج مصر لتأسيس فروع لمنظمات دولية، والاشتراك بطريقي الاتفاق والمساعدة على ارتكاب جريمة إدارة فروع لمنظمات ذات صفة دولية بدون ترخيص في مصر.
وأوصى تقرير لجنة تقصي الحقائق بتوجيه اتهامات أخرى، أبرزها أن المنظمات والمراكز غير المرخصة (28 منظمة أهلية) يثار بشأنها ارتكاب الجريمة المنصوص عليها في المادة 76 من قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية، وهي إنشاء كيان يقوم بأي من أنشطة الجمعيات الأهلية دون اتباع الأحكام المقررة في القانون، وعقوبتها الحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر، وغرامة لا تزيد على ألفي جنيه أو بإحدى العقوبتين.