أدانت 17 منظمة حقوقية
مصرية ما وصفته بالهجمة الممنهجة والإجراءات التصعيدية ضد
المجتمع المدني المصري بشكل عام، والحقوقي بوجه خاص، معتبرة أن الخطوات الأخيرة تستهدف استئصال المنظمات الحقوقية، عن طريق إعادة فتح القضية رقم 173 لسنة 2011، المعروفة إعلاميا بقضية التمويل الأجنبي، ومواصلة التوظيف السياسي والأمني للجهاز القضائي، لتحقيق أهداف تضر إضرارا جسيما بالعدالة وحقوق الإنسان.
وكانت المنظمات الحقوقية قد تعرضت في العشرة أيام الماضية لهجوم إعلامي أمني حاد، بعد قرار البرلمان الأوروبي الذي انتقد فيه حالة حقوق الإنسان في مصر، وإرسال المنظمات مذكرة للمفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة حول الشأن نفسه، تناولت فيها أبرز الانتهاكات المتعلقة بالقتل خارج نطاق القانون، وعنف الشرطة، والسجن والتعذيب وإساءة المعاملة، وحرية تكوين الجمعيات وحرية التجمع السلمي، وقمع الحريات الإعلامية والفنية، وإغلاق المراكز الثقافية والأكاديمية، وملف العدالة الاقتصادية والاجتماعية، وحقوق المرأة، والحريات الدينية.
وقالت المنظمات في بيان لها الاثنين إن "قضاة التحقيق في القضية المشار إليها –والذين تم انتقاؤهم بالاسم– اتخذوا مؤخرا عددا من الإجراءات ضد قيادات وعاملين بعدد من المنظمات الحقوقية، من بينها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ونظرة للدراسات النسوية، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان. واتسعت تلك الإجراءات لتشمل أيضا مكتب محاماة عريق تأسس منذ 75 عاما، هو المجموعة المتحدة، محامون ومستشارون قانونيون، ومديره المحامي الحقوقي نجاد البرعي".
وأضافت المنظمات أن الإجراءات تضمنت المنع من السفر، واستدعاء لبعض العاملين للتحقيق، وصولا إلى منع مؤسس المبادرة المصرية، حسام بهجت، والمدير التنفيذي للشبكة العربية، جمال عيد، واثنين من أسرته من التصرف في أموالهم، متوقعين المزيد من الإجراءات "القمعية والانتقامية في الفترة المقبلة، ليس فقط لتكميم أفواه تلك المنظمات، بل لإسكات الصوت الوحيد الباقي لضحايا جرائم حقوق الإنسان، المقدرون بعشرات الآلاف".
وتابع البيان: "تلاحظ المنظمات أن هذه الإجراءات تتم في سياق من التكتم والسرية من قبل لجنة التحقيق، التي تتعنت في رفض إطلاع المحامين وموكليهم على أوراق القضية أو الكشف عن طبيعة وتفاصيل الاتهامات محل التحقيق، وفي الوقت نفسه تسرب المعلومات والإجراءات لوسائل الإعلام، التي تحولت للوسيلة الوحيدة لتعريف المحامين وموكليهم بتلك الإجراءات، بما في ذلك مواعيد الجلسات، مما يعد انتهاكا سافرا لضمانات المحاكمة العادلة ومخالفة صريحة للدستور ولنص المادة (25) من قانون الإجراءات الجنائية".
واستطرد قائلا: "الأمر الذي بلغ حد إصدار لجنة التحقيق لقرارات بالمنع من السفر بصورة مؤبدة لبعض الأشخاص منذ أكثر من عام، دون مثولهم للتحقيق، أو توجيه اتهامات لهم، أو إبداء أي أسباب قانونية للمنع، وذلك بالمخالفة للدستور الذي اشترط أن يتم ذلك بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة، بل أن أحد قضاة التحقيق صرح أن القضية لا يوجد بها متهمون، وأن كافة الإجراءات التي يتم اتخاذها مجرد إجراءات احترازية. مما يعني تقييد حرية أشخاص من التصرف في أموالهم ومن السفر والتنقل دون علمهم ولمدة محددة، من غير اتهامات محددة".
وأردف: "المادة (208 مكرر أمن قانون الإجراءات الجنائية) –التي استند إليها قضاة التحقيق في منع اثنين من مسؤولي المنظمات من التصرف في أموالهم– تخالف مبادئ الدستور، إذ تجعل أساس المنع "قيام دلائل كافية من التحقيق على ثبوت الاتهام في حق المتحفظ عليه"، ضاربة بمبدأ أصل البراءة عرض الحائط. كما تخالف تلك المادة مبدأ "شخصية العقوبة" دونما إثبات نقل المتحفظ عليهم أموالهم لذويهم، الأمر الذي يعد افتئاتا على الملكية الخاصة لأقارب الممنوعين من التصرف، فضلا عن أنه قيد على ملكيتهم دون صدور حكم قضائي".
ورأت المنظمات الموقعة على البيان أن تسارع وتيرة الإجراءات ضدها في الفترة القصيرة الماضية يأتي في إطار "الانتقام منها كآخر صوت باق للضحايا، خصوصا بعد الخلل الهائل الذي أصاب منظومة العدالة، وتصرفات الأجهزة الأمنية التي فقدت صوابها وأصبحت منفلتة وغير خاضعة للمحاسبة، حتى على فسادها. كما يبدو من السياق الزمني للهجوم على تلك المنظمات أن هناك انتقاما مقصودا بسبب التواصل مع أحد آليات
الأمم المتحدة وهو المفوض السامي لحقوق الإنسان، والاجتماع معه ومع الأمين العام للأمم المتحدة، وذلك بالرغم من تصديق
الحكومة المصرية على عدد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان التي تتيح لتلك المنظمات الاشتباك مع آليات الأمم المتحدة المتعلقة بهذا الشأن".
وأكدوا أن تعامل الحكومة المصرية وأجهزتها الأمنية مع ملف الانتقادات المحلية والدولية، خاصة الانتقادات الأخيرة، "مثير للسخرية، إذ كان حري بالحكومة أن تدرك مواضع الخلل الجسيم في طريقة إدارة البلاد وتبادر إلى إصلاحه، بدلا من إسكات صوت الضحايا وقمعهم بإجراءات قانونية معيبة، فانفلات الأجهزة الأمنية هو الذي يُسيء لسمعة مصر الدولية، خصوصا أن وتيرة انتهاكات حقوق الإنسان وجسامتها في العامين الماضيين وصلت لمستويات غير مسبوقة في تاريخها الحديث، ولا يمكن إخفاؤها داخليا أو دوليا".
واختتم البيان بالقول إن "المنظمات الحقوقية في مصر تحاول ممارسة دورها تحت ضغوط وتهديدات مهولة، وصلت لدرجة التهديدات بالقتل لمدير وعضو بمجلس إدارة مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، وصدور قرار بالغلق الإداري لمركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، ومنع عدد من المدافعين عن حقوق الإنسان من السفر بشكل تعسفي".
ووقع على البيان كل من مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، والجماعة الوطنية لحقوق الإنسان والقانون، والجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية، ومركز الأرض لحقوق الإنسان، والمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ومركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، ومركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف، ومركز عدالة للحقوق والحريات، ومصريون ضد التمييز الديني، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، والمنظمة العربية للإصلاح الجنائي، ومؤسسة الحقانية للحقوق والحريات، ومؤسسة المرأة الجديدة، ومؤسسة حرية الفكر والتعبير، ومؤسسة ضحايا الاختطاف والاختفاء القسري، ومؤسسة قضايا المرأة المصرية، ونظرة للدراسات النسوية.