من يراقب أداء القوى والحركات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي يلحظ بوضوح افتقاد هذه الحركات في هذه المرحلة لزمام المبادرة ولروح الأبداع أن على صعيد العمل السياسي أو الفكري أو الشأن العام.
فالإسلاميون الذين حملوا مشاريع التغيير والأمل لأبناء الأمة انخرطوا في الحروب الأهلية والصراعات على السلطة في العديد من الدول العربية والإسلامية ولم يعد لديهم ما يقدمونه من أفكار جديدة أو نماذج إبداعية لمواجهة الأزمات التي تتعرض لها هذه الدول.
ومن المؤسف أكثر أن بعض القوى والحركات والشخصيات الإسلامية في بعض الدول أصبحت جزءا من منظومة الفساد في هذه الدول وجعلت الناس تفقد الأمل بالإسلاميين، وحتى أحيانا بالدين مما أدى لانتشار حالات من الإلحاد أو الدعوة لأبعاد الدين عن كل ما له علاقة بالشأن العام، ووصل الأمر في بعض الدول مثل العراق أن تعلن المرجعية الدينية العليا ابتعادها عن كل ما له علاقة بالشأن السياسي وعمليات الإصلاح لأنها وصلت إلى مستوى من اليأس من القوى والحركات السياسية في هذا البلد وخصوصا القوى والحركات الإسلامية.
وفي دول أخرى، انخرطت القوى والحركات الإسلامية في صراعات المحاور والأحلاف الاقليمية والدولية وأصبحت جزءا من الصراعات الداخلية ولكل تنظيم إسلامي أو حركة إسلامية المبررات والأسباب التي تجعلها منخرطة في هذه الصراعات دون أن تستطيع أن تلعب أي دور جدي في وقف هذه الحروب والصراعات وتركت الخيار للقوى الإقليمية والدولية كي تقرر مستقبل المنطقة والأنظمة العربية والإسلامية.
وعلى المستوى الفكري لم يعد لدى الإسلاميين ما يقدمونه من أفكار جديدة أو إصدارات إبداعية وبدأنا نفقد يوما بعد يوم كبار العلماء والفقهاء والمفكرين الذين حاولوا التجديد في الفكر أو الفقه الإسلامي وآخرهم الدكتور حسن الترابي والدكتور طه جابر العلواني ومن سبقهم من المفكرين والعلماء، دون أن يأتي من يسد هذه الثغرة على المستوى الفكري والفقهي فيما تحولت الشخصيات الإسلامية أو القيادات الإسلامية الحركية إلى العمل السياسي اليومي وانخرطت في أتون الصراعات السياسية والمذهبية ومن أجل الوصول إلى السلطة.
وفي الشأن العام وعلى المستوى الدولي لا نلحظ وجود مساهمات حقيقية لدى الإسلاميين لمواجهات الأزمات الكبرى التي يعاني منها العالم كأزمة البيئة أو أزمة الفقر أو انتشار الأمراض والأزمات، فيما نلاحظ أن هناك عدد من كبار ساسة العالم أو الفنانين أو المبدعين الذين يحوّلون جهودهم من أجل مواجهة هذه الأزمات أو تقديم مشاريع عمل للتخفيف من أجواء الحروب والصراعات.
وحتى على صعيد ظاهرة "الدعاة الجدد" والتي برزت في مرحلة معينة والتي قام فيها بعض الدعاة بمبادرات جديدة على صعيد أسلوب الدعوة أو كيفية إشراك الشباب في الشأن العام، فقد تراجع دور هؤلاء الدعاة وتحول بعضهم إلى رجال أعمال أو باحثين عن المال والشهرة ولم يعودوا يقدمون أي جديد على الصعيد الفكري أو الدعوي أو معالجة هموم الأمة.
طبعا لا تعني هذه الصورة السلبية غياب بعض المبادرات أو عدم وجود شخصيات سياسية أو فكرية إسلامية أو حركات إسلامية تحاول أن تقدم مساهمة عملية أو فكرية أو سياسية لمعالجة هموم الأمة أو التخفيف من الصراعات والأزمات، وهناك أمثلة إيجابية عديدة في هذا الإطار، لكن للأسف الصور الأكثر انتشارا اليوم هي الصور السلبية عن الإسلام والمسلمين والحركات والشخصيات الإسلامية، وكل ذلك يتطلب مراجعات حقيقية لدى هذه الحركات والقيادات في كيفية الخروج من المأزق الحالي، فنحن بحاجة إلى فكر وفقه جديد يستطيع أن يقدم أجوبة عملية وصريحة وواضحة على الأزمات القائمة، كما أننا نحتاج إلى مبادرات وأفكار تغييرية لإنقاذ الإسلام والدين من حالة التلوث التي يتعرض لها اليوم على المستوى العالمي بسبب سوء الأداء من قبل من يدّعون التحدث باسم الإسلام.
المرحلة تتطلب خطة طوارئ وإعادة قراءة الأوضاع بروح جديدة ورؤية جديدة عسى انأنكتشف ضوءا في نهاية النفق الذي نمر به اليوم.
هناك مصدرين للشوائب التي تتخلل الدين الإسلامي. الأول خارجي ممتد منذ قرون على شكل حرب ثقافية وإعلامية، إحدى نتائجها أن اقترن لدى الكثيرين اسم الإسلام بالعنف والدم. والمصدر الثاني داخلي ويتكون من طوائف كالشيعة والنصيرية وغيرهم الذين يُشكلون 10% من المسلمين. هؤلاء حاربوا ويُحاربون الأكثرية، بكل أنواع الأسلحة المحرمة وغير المحرمة. ومن هذه الأسلحة التلفيق على الدين الخالص. ألا لله الدين الخالص "