نشرت مجلة "بوليتيكو" تقريرا للخبير في شؤون الشرق الأوسط ري تكيه، بدأه بالقول: "سافر باراك
أوباما إلى
السعودية يوم الثلاثاء، فيما قد يكون آخر زيارة له كونه رئيسا، وربما هي الزيارة الأكثر عبثا".
ويضيف الكاتب: "إن الأمر ليس متعلقا بجهود الكونغرس لتحميل السعودية المسؤولية عن هجمات 11/9؛ لتعويض عائلات الضحايا، بل لأن أمريكا والسعودية تنظران إلى المنطقة من منظورين مختلفين، وتتعارض مصالحهما فيها، حيث ترى الرياض عددا من الصراعات الدائرة، التي على الولايات المتحدة حلها، وعددا من الدول الفاشلة التي على الولايات المتحدة إعادة تأهيلها، كما أن السعودية تريد التزاما من أوباما بقلع مخالب وتغيير توازن القوى في الحرب الأهلية السورية ضد بشار الأسد، وحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني".
ويتابع تكيه قائلا إن "نظرة واشنطن تظل ضيقة وطموحاتها أكثر محدودية، وتبقى أمريكا ملتزمة بحربها على الإرهاب في المنطقة، معتمدة على الطائرات دون طيار، وتسعى إلى إضعاف تنظيم الدولة، ومنعه من السيطرة على مدن استراتيجية في العراق، وتأمل بأن تتمكن اللقاءات الدبلوماسية في فيينا من التوصل إلى اتفاق يخفف من الحرب الأهلية في سوريا".
ويرى الكاتب أن "أوباما لم يأت مسلحا بسياسات جديدة للشرق الأوسط، عدا آخر التطورات في الاتفاقية النووية مع
إيران، وهو الشيء الذي لا يريد أحد من السعوديين الحديث عنه، ومن الواضح أن أوباما الذي اشتكى قبل أيام من حلفاء أمريكا، الذين سماهم (الراكبين بالمجان) ليس متحمسا للتورط في المنطقة أكثر مما هو متورط، بل إنه صرح بشكل غير واضح عن أمله في أن تقوم السعودية وإيران بالتشارك في المنطقة، دون الإفصاح عن كيفية رؤيته لذلك، وبعد استثمار الكثير، فإن الإدارة تبدو غير راغبة كثيرا بإعادة محاولات تحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، كما أن أمريكا ليست لديها رغبة في إعادة بناء دول ساعدت في تدميرها، مثل العراق وليبيا".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أنه بالنسبة لاحتواء إيران، فإنه رغم أن أمريكا لن تذهب إلى حد إعادة العلاقات مع إيران، كما تخشى أنظمة الخليج، إلا أنه ليس لديها مانع من التوصل إلى اتفاقات تكتيكية معها في أماكن مثل العراق، وفي قضايا مثل التعامل مع تنظيم الدولة، لافتا إلى أنه بالنسبة لإدارة أوباما، فإن "الاتفاقية النووية مع طهران تعد نجاحا تاريخيا يؤكد فائدة مد اليد إلى خصم عنيد، وربما كانت هذه أول مرة لا تبدو فيها أمريكا معارضة لقيام إيران بتقوية نفوذها في الخليج، وهي الخطوة الضرورية استراتيجيا".
وتقول المجلة إنه "من المغري أن يعزى الوضع للرئيس أوباما والملك سلمان شخصيا، لكن أوباما يميل إلى الدبلوماسية أكثر من القوة، وقد تسبب عدم ثقته بحلفائه التقليديين، ورغبته في إصلاح العلاقات مع الأعداء التقليديين، وازدراؤه للشرق الأوسط وأحلامه في آسيا، في إثارة المخاوف لدى العالم العربي".
ويلفت تكيه إلى أن السعودية ترى في جهود الكونغرس للسماح لعائلات ضحايا 11/ 9 بمقاضاة السعودية، مؤشرا آخر على أن واشنطن لم تعد تقدر التحالف، بالرغم من تهديد البيت الأبيض باستخدام الفيتو، مشيرا إلى أن تهديدهم بسحب رؤوس الأموال من أمريكا، انتقاما لمثل هذه الخطوة، يبعث برسالتهم الخاصة بأنهم سيتصرفون بالطريقة التي تظهر الاستخفاف ذاته بالتحالف الذي يشعرون أن أمريكا تظهره في تعاملها مع السعودية.
ويتساءل الكاتب: "فكيف وصلت العلاقة الأمريكية السعودية إلى ما وصلت إليه؟ لم تكن العلاقة رائعة منذ البداية، فهي علاقة بين ديمقراطية ليبرالية مع ملكية تقليدية، تعتمد على صيغة متشددة من الإسلام، ولديها الدخل البترولي للحفاظ على نفسها، وغطى على هذه الخلافات خلال فترة الحرب الباردة عداؤهما المشترك للاتحاد السوفييتي، وبعد الحرب الباردة كان الاحتياطي النفطي الضخم، الذي تمتلكه المملكة، والحاجة للتعامل مع صدام حسين كفيلان لتحويل الأنظار عن التناقضات التي شوشت هذه العلاقة، لكن مأساة 11/ 9، والكشف عن أن 15 من 19 مختطفا كانوا من السعودية صعقا هذه العلاقة ثانية، لكن هذا الأمر نسي بسرعة، عندما ركزت أمريكا على العراق، وما حصل بعد ذلك من استنزاف لأمريكا في الحرب مع المتمردين، ومحاولة إعادة تشكيل عراق ما بعد صدام".
ويفيد التقرير بأن إدارة أوباما لا ترى اليوم أي عدو تحتاج إلى مساعدة السعودية لاحتوائه، بعد أن كانت إيران في وقت ما تملأ هذا الفراغ، حيث تحرص واشنطن على الحفاظ على اتفاقية الحد من الأسلحة مع إيران، مشيرا إلى أن محاولة تحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين كانت تحتاج أحيانا إلى مساعدة من الدول العربية، لكن هذه الطموحات لم تعد تشغل واشنطن كما كانت من قبل.
وتجد المجلة أنه مع تغير سوق الطاقة الدولية، بدأت أمريكا تشعر باستقلال في مجال الطاقة، وأصبح النفط السعودي أقل أهمية، وليس كافيا للإبقاء على علاقة كانت تقوم على قواعد مهزوزة، لافتة إلى أن المزاعم بأن السعودية كان لها وجهان في الحرب على الإرهاب، خاصة فيما يتعلق باتهام المملكة بتأييد تنظيم القاعدة وغيره من المتطرفين الإسلاميين، بدأت مرة أخرى تطفو على السطح.
ويعتقد تكيه أنه "يجب ألا يشعر السعوديون بأي ارتياح لتغير الرئيس العام القادم؛ لأن ذلك لن يغير هذا الاختلاف في المصالح، ولن يغير سياسات أمريكا، فأوباما لا يعمل وحده، لكنه يعكس جوا عاما من (التحرر من سحر الشرق الأوسط)، وحتى أن الحزب الجمهوري أبدى تعبه من الحروب، ما دفع المرشحين الأوائل للحزب إلى شجب الرؤى المتمددة، ومحاولة غرس أنظمة ديمقراطية في قلب العالم العربي، فالحزب الجمهوري اليوم هو حزب من الصقور، الذين لا يفضلون التدخل، ويلتزم مرشحوه بالقضاء على تنظيم الدولة دون محاولة معالجة أسباب نشوئه".
وينوه التقرير إلى أنه "في الوقت الذي يمر فيه الشرق الأوسط بفترة تحول عنيف، فإنه سيمر بها دون أمريكا، وإن كان القرن الحادي والعشرون سيكون أمريكيا في أي مكان آخر من العالم، فهذا أمر علينا فيه أن ننتظر ونرى، لكنه لن يكون كذلك في الشرق الأوسط".
وتختم "بوليتيكو" تقريرها بالإشارة إلى أن "قمة أوباما مع زعماء الخليج ستتمخض عن الكثير من إعلانات الصداقة ومبيعات الأسلحة، لكن لن يكون هناك حديث عن تحالفات تاريخية".