كتب وحيد عبدالمجيد: لا تستحق مسرحية الانتخابات البرلمانية المنظمة في 13 أبريل الجاري في مناطق سيطرة نظام بشار الأسد، ولا تزيد على 30 بالمئة من مساحة سوريا، تعليقا بحد ذاتها، فقد رفض المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا أن يُعلق عليها حين سُئل عنها، وقال إن الانتخابات التي يعرفها ينبغي أن تُجرى في إطار عملية الانتقال السياسي الذي يسعى إليه، ولكنه لا يحقق تقدما باتجاهه.
فالانتخابات تُعد خطوة من خطوات الانتقال، وفق ما نص عليه قرار مجلس الأمن 2254 الصادر في 18 ديسمبر 2015، وقبله بيان فيينا في 14 نوفمبر 2015. لذلك تتضمن خطة دي ميستورا المتعثرة حتى الآن أن الانتقال السياسي في سوريا يقوم على «آليات لإقامة حكم ذي صدقية وغير طائفي وشامل، وبرنامج وعملية لصوغ دستور جديد، وانتخابات حرة عادلة بموجب هذا الدستور، وبإدارة الأمم المتحدة وتحت إشرافها، ويتفق مع أعلى المعايير الدولية للشفافية والمحاسبة، وبمشاركة كل السوريين بمن فيهم سوريو الشتات».
ويُفهم من سياق هذه الخطة أن انتخابات حقيقية إنما تُمثل خطوة محورية في عملية الانتقال السياسي، بافتراض إحراز تقدم يتيح الشروع في هذه العملية. لذلك يصبح السؤال ضروريا عن الإمكانات العملية لإجراء مثل هذه الانتخابات في حالة تحقيق تقدم في المفاوضات، والعقبات التي ستواجهها.
فالمفهوم من خطة الانتقال السياسي أن ما يُسمى فيها الحكم الجديد سيضم ممثلين لنظام الأسد، ولقوى المعارضة الرئيسية ممثلة بـ«الهيئة التفاوضية العليا»، وأطراف أخرى، وإذا استبعدنا مسألة مصير بشار الأسد، وهل تُحسم قبل تشكيل هذا الحكم أم بعده، وأخذنا بالمقاربة الأميركية الروسية التي ترجئ هذا الحسم، فسنجد أن الانتخابات التي يُفترض إجراؤها، تواجه عقبتين كبيرتين ينبغي التفكير في كيفية تذليلهما إذا أُريد لها أن تكون حقيقية وليست هزلية على النحو الذي حدث قبل أيام.
العقبة الأولى هي تحديد الهيئة الناخبة، في ظل وضع شديد التعقيد نتج عن حرب ممتدة تخللتها مذابح دامية خلال خمس سنوات حتى الآن، فأكثر من نصف السوريين إما مُهجَّرون ولاجئون في الخارج (خمسة ملايين)، أو نازحون من مناطقهم إلى أماكن أخرى في الداخل (ستة ملايين)، وهذا وضع يصعب في ظله توفير الشرط الإجرائي الأول في أية انتخابات، وهو وضع جداول للناخبين وتوزيعهم على دوائر انتخابية منظَّمة وفق المعايير الدولية.
ومهما كان التقدم الذي يمكن تخيله باتجاه تأسيس الحكم الجديد، وأخذا بأعلى درجات التفاؤل، ستحدث خلافات كبيرة بين أطراف هذا الحكم بشأن الهيئة الناخبة وما يتعلق بها من جداول للناخبين ودوائر انتخابية، وسيكون ممثلو النظام في هذا الحكم في مركز أقوى لأنهم هم من يملكون المعلومات بشأن التوزيع الجغرافي للسكان، ومن ثم الناخبين، قبل اندلاع الحرب. وهذه معلومات ضرورية لمقارنتها بما آل إليه الوضع الآن.
لذلك ستكون مهمة الأمم المتحدة في إدارة الانتخابات بالغة الصعوبة منذ الخطوة الأولى، لأنها ستواجه مشقة بالغة في وضع الأسس الإجرائية لهذه الانتخابات.
أما العقبة الثانية فهي مدى كفاية المناطق التي ستُجرى فيها الانتخابات لتوفير الشرعية اللازمة لها، فأحد أهم عوامل عدم شرعية «انتخابات» 13 أبريل الجاري أنها أُجريت في أقل من ثلث الأراضي السورية، رغم وجود نحو نصف السكان في هذه الأراضي.
وتتوقف الزيادة المحتملة في هذه المساحة على مدى شمول الاتفاق الذي سيؤدي إلى تأسيس الحكم الجديد عددا أكبر من الفرقاء، بل كلهم باستثناء «داعش» و«النصرة»، وربما تتركز عقبة توسيع المساحة الانتخابية في موقف القوى التي أعلنت في منتصف مارس الماضي نيتها في إقامة نظام فيدرالي، وفي مقدمتها حزب العمال الكردي. ورغم أن المناطق التي تسيطر عليها هذه القوى في شمال سوريا وشمال شرقها (المقاطعات الكردية الثلاث كوباني وعفرين والجزيرة وبضع مناطق أخرى في الحسكة وحلب) ليست كبيرة، فهي تنطوي على أهمية رمزية خاصة بشأن شرعية الانتخابات.
وهكذا يبدو إجراء انتخابات تساهم في تحقيق انتقال سياسي حقيقي في سوريا صعبا للغاية، لكن الوصول إلى الوضع الذي يتيح الشروع في هذه الانتخابات قد يكون أكثر صعوبة.
(عن الاتحاد الإماراتية)