يوم الاثنين الماضي أعلنت المحكمة الفدرالية الأمريكية أن مسؤولين في مدينة كليفلاند بولاية أوهايو الأمريكية، وافقوا على دفع 6 ملايين دولار لتسوية القضايا المرفوعة التي أقامتها أسرة تامير رايس، وهو فتى أسود قتل برصاص شرطي أبيض في 2014.
6 مليون دولار تدفع على عامين؛ 3 ملايين دولار هذا العام و3 ملايين دولار في العام المقبل، وهذا لربما أكبر رقم تعويض في مثل حالات القتل التي تمت في الآونة الأخيرة.
نعم هذا الرقم صحيح 6 ملايين دولار لفتى عمره 12 عاما فقط، فسألت نفسي كيف حسبت المحكمة هذا المبلغ؟ فلمن لا يعرف أمريكا فربما كل شيء فيها قائم على حسابات بالغة الدقة، فقلت لربما أنهم يحسبون عدد سنوات حياته والدخل المتوقع منها، وبناء على ذلك يتم حساب مبلغ التعويض المناسب بناء على دخله في حال عمل حتى خروجه للمعاش عند سن 65، بما يعني أن المحكمة أعطت للبعد الإنساني وللحياة البشرية قيمة عليا في التعويض.
وكان ضابط الشرطة الأبيض تيموثي لويهمان أطلق الرصاص على رايس في أحد متنزهات المدينة، بعد أن وصل إلى قسم الشرطة بلاغات عن مشتبه به يحمل سلاحا ناريا. وما كان سلاحا ناريا، بل كان مسدسا لعبة مشهور هنا عند الأمريكان. لكن لأن الطفل أسود، فالعادة أن يكون السود في موضع شبهة في مثل هذه الحالات، التي شاعت في الآونة الأخيرة من قتل الشرطة لكثير من السود.
فهل سكت الشعب الأمريكي على حوادث قتل السود، أو هل سكت الأفارقة الأمريكان أصحاب المصلحة على حوادث القتل؟ بالقطع لا، فأسس السود حملة جديدة قائمة على حماية مصالحهم والدفاع عن حياتهم، وأسسوا حملة ( Black Lives Matter (BLM تقوم على حماية السود والدفاع عن مصالحهم وأرواحهم.
ونتيجة لهذه الحملات والضغوط قامت وزارة العدل الأمريكية بعمل تحقيق أجرته في مدينة كليفلاند بولاية أوهايو، وجد أن "شرطة المدينة تستخدم القوة المفرطة بشكل منهجي ومتكرر، وتنتهك الحقوق المدنية للمواطنين".
وخلص التقرير الذى أعدته الوزارة إلى "عدم كفاية التدريب وغياب المساءلة، يقفان وراء استخدام رجال الشرطة للقوة المفرطة، مضيفا أن إدارة المدينة والشرطة الفيدرالية، اتخذتا قرارا ببدء العمل على إصلاحات تهدف للتغلب على النواقص وإعادة تنظيم سير العمل".
وأشار التحقيق إلى أن ممارسات شرطة المدينة نجم عنها ضعف ثقة المواطنين بها، خاصة المواطنين السود.
إذا، الحكومة حققت في الأمر، وخسر مجلس المدينة 6 مليون دولار من أموال دافعي الضرائب كعقاب للحكومة وللمدينة وتعويضا عادلا إلى حد كبير، بل إن هناك العديد من المدن الأمريكية أصبحت تلزم رجال البوليس كافة بارتداء كاميرات فيديو لتسجيل المحادثات بين المواطنين ورجال البوليس، الأمر الذى سيدفع في النهاية إلى تحسن في الخدمة الشرطية وإلى توفير أموال للمدينة بدلا من أن تدفعها تعويضات.
دعنا إذا ننظر إلى المشهد
المصري، فكم تتم حوادث القتل للمصريين دون أن تحرك ساكنا على الإطلاق، في يوم الخميس 24 مارس (آذار) 2016 قتلت الشرطة المصرية خمسة أشخاص، وبررت ذلك بأن هذه العصابة كانت تقوم بخطف الأجانب وسرقتهم، وأنهم هم المسؤلون عن قتل ريجيني، والمقال لايتسع لجرائم السلطة في مصر التى تستهين بكل شيء.
وبمقارنة الوضع مع ماراينا في الولايات المتحدة وفي مصر، انظر هل تحرك الناس حتى تحمي مصالحها وتحمي أرواحها؟ لم يتحرك الناس، بل ما حدث في رابعة من أكبر الجرائم التي ارتكبت في تاريخ مصر على الإطلاق، لم يحرك ساكن من قبل عامة الناس حتى تدافع عن وجودها.
بل الأدهى في الأمر أن الناس انقسمت بين شامت وساكت على الجريمة، فما بالك بالقتل الخطأ في حوادث الطرق او الخطأ في تنفيذ القانون، هل يتم دفع تعويض للمواطن يكفي أسرته طيلة حياته من بعده.
يظن الحاكمون في مصر أن القبضة الأمنية يمكن أن تدفع الاقتصاد إلى الأمام، ولكن كما نرى فإن هذه الجرائم لا تعطي للناس أملا في أن يحاكم أي قاتل أو أي مسؤول، الانقلابيون في مصر لايدركون أن أي اقتصاد يحتاج إلى بيئة حاضنة، تنمى فيها إبداعات الناس ولاتقتلها، تؤمنها ولا تخيفها، ترعى حقها وتصونها لا أن نتغنى بها في الصباح وتقتله أيضا كما حدث مع مواطن يبيع الشاي، فيقتل لأنه لم يصبح على مصر بجنية. إن الخسائر الاقتصادية من وراء السياسات الأمنية لا يمكن حصرها فهي في النهاية تؤول إلى وقوع مصر كلها فى بئر من الفشل.