نشرت صحيفة "نوفيل أوبسارفاتور" الفرنسية حوارا مع أستاذة الأثروبولوجيا
غابرييلا كولمان، المختصة في ثقافة القرصنة بما في ذلك مجموعة "
أنونيموس"، حول دوافع مثل هذه المجموعات وعلاقتها بالمجال السياسي.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن كولمان ألّفت كتابا حول السياسة التي تعتمدها مجموعة "أنونيموس" حيث وصفت هذه المجموعة "باللامركزية" التي لا تخضع لسلطة "قائد" واعتبرت أنه كان لها النصيب الأوفر في التأثير على الحركات السياسية المعاصرة.
وذكرت الصحيفة ما جاء على لسان كولمان، حيث اعتبرت أن
القراصنة كان لهم دور فاعل خلال الاحتجاجات السياسية التي اندلعت في كافة أنحاء العالم مثل الربيع العربي، في الدعوة إلى احتلال وول ستريت في الولايات المتحدة واحتجاجات 15 أيار/ مايو في إسبانيا.
وأشارت كولمان إلى أن القراصنة لطالما رفضوا فكرة وجود "قائد" يسيّرهم، فهم يتصرّفون وفق خطوات مدروسة دون الحاجة إلى طرح أسئلة نظرية حول عملياتهم المستقبلية.
وعند سؤال الصحيفة حول الأسباب التي جعلت القراصنة يتوجّهون من عالم التكنولوجيا والبرمجيات إلى المجال السياسي، أجابت كولمان أن ثقافة هذه المجموعات لطالما كانت سياسية، فقد سعوْا من خلال الأنظمة الرقمية إلى تعزيز دورهم في المجال السياسي. ويظهر ذلك خاصة خلال قضية "ويكيليكس" التي مثّلت نقطة تحول لعدد من القراصنة من بينهم جوليان أسانج الذي أصبح بدوره شخصية معروفة ظهرت على جميع وسائل الإعلام العالمية.
وأضافت كولمان أن تسريبات "ويكيليكس" مثّلت نقلة نوعية، حيث لم يعد القراصنة يركّزون فقط على القضايا الداخلية التي تهم عالم القرصنة، بل توسّع اهتمامهم ليشمل القضايا الجيوسياسية الهامة؛ فتسريبات ويكيليكس، تشيلسي مانينغ وإدوارد سنودن، ألهمت العديد من القراصنة حول العالم.
وأفادت كولمان أن مجموعة "أنونيموس" تأسست عبر "فور تشان"، وهو منتدى غير منظم مقره الولايات المتحدة، ويضم أعضاء من جميع أنحاء العالم ينشرون فيه مشاركاتهم دون الإشارة إلى هويتاهم، وقد كانت هذه المجموعة تنشط بهدف السخرية والترفيه قبل أن تتبنى مواقف سياسية جدية.
وفي سنة 2008، قررت مجموعة "أنونيموس" شنّ هجمات ضدّ الكنيسة السيانتولوجية التي قامت بحذف مقاطع فيديو على موقع "يوتيوب" وهو ما اعتبرته المجموعة انتهاكا لحرية التعبير وسعيا لفرض الرقابة على الإنترنت.
وذكرت كولمان أن أي شخص بإمكانه الانضمام إلى مجموعة "أنونيموس"، فهي تشمل أعضاء من مختلف أنحاء العالم؛ من بينهم يساريون متشددون، أعضاء سابقون في الحركات المناهضة للعولمة، أساتذة، أغنياء وفقراء. فعلى الرغم من اختلافهم، إلا أنه يجمعه قاسم مشترك وهو شغفهم بالإنترنت.
وأضافت الصحيفة على لسان كولمان أن أعضاء مجموعة "أنونيموس" كانوا من الناشطين الذين شاركوا في تسريبات "ويكيليكس"، والثورة التونسية والمصرية، فضلا عن الحملات المناهضة للاغتصاب؛ فلطالما كان هدفهم الرئيسي كشف الفساد والاعتداءات وتقديم يد المساعدة لمن يحتاجها.
وأشارت كولمان إلى أن هذه المجموعة ساندت مجلة "شارلي ايبدو" ضد تنظيم الدولة، وذلك لأنها ترفض كل أشكال الرقابة التي من شأنها أن تُفرض على أي طرف. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المجموعة تتّبع الخطّ السياسي الليبرالي أو اليساري ولكن لا أحد يعلم إذا ما كان توجّههم السياسي سيتغير في المستقبل.
واعتبرت كولمان أن الآراء والمواقف متباينة حول نشاط "أنونيموس"؛ فبالنسبة للبعض هم أشخاص أكفاء يجازفون ويتحمّلون العديد من المخاطر في سبيل تحقيق أهدافهم، أما بالنسبة للبعض الآخر فهم مجرد أطفال يستخدمون لغة "غير مقبولة"، ويعود ذلك إلى عدم تمثيل هذه المجموعة في وسائل الإعلام حتى تقوم بتوضيح العديد من النقاط المتعلّقة بنشاط "أنونيموس".
وأضافت كولمان أن الولايات المتحدة، وخاصة أصحاب رؤوس الأموال والشركات، لطالما شنوا هجوما واسعا ضد القراصنة وبالتحديد ضدّ "أنونيموس". لكن القمع المتأتي من قبل الدول والحكومات لم يثن هذه المجموعة عن تحقيق مآربها، بل طالما حفّزها لمواصلة نشاطها. لكن أكبر تحد تواجه هذه المجموعة في الوقت الراهن هو الشركات الناشئة مُمثّلة في الرأسماليين الذين يعتقدون أنهم بصدد جعل العالم مكانا أفضل.
وذكرت كولمان أن "أنونيموس" تمكنت من المحافظة على مكانتها منذ ثماني سنوات دون وجود مركز سلطة أو قائد من شأنه أن ينظم العمليات المنبثقة عن هذه المجموعة، إلا أن لديها برمجيات وقوانين داخلية صارمة تتحكم في المجموعة حتى تكون عملياتها ناجعة خاصة وأنه لا يمكن التنبّؤ بأفعالها.
ونقلت الصحيفة وفقا لكولمان، أن القراصنة خلقوا ثقافة العصيان، التي أصبحنا نشهدها مؤخرا من خلال الاحتجاجات الاجتماعية، وذلك لأغراض سياسية، فهؤلاء الناشطين يسعوْن إلى التعبير عن أصواتهم المعارضة والتحرّر من كلّ أشكال التبعية ومواصلة النضال السياسي في وجه القمع الانتهاكات التي يشهدها العالم.
وفي الختام، بينت كولمان أن من أهم القواعد التي يفرضها القراصنة فيما بينهم هي عدم الكشف عن هوية أي عضو منتم لمثل هذه المجموعات والتصرف بسرية تامة حتى لا تُكشف عملياتهم وتذهب جهودهم سُدى، فضلا عن رفض المركزية والسلطة التي من شأنها أن تفرض نظاما معينا داخل المجموعة.