مع تكدس المشاكل التي تحيط بدولة
الاحتلال الإسرائيلي؛ فقد برزت على السطح مؤخرا خلافات في المواقف بين المستويين السياسي والأمني العسكري الإسرائيليين، وهو ما تجلى بمنح وزير الدفاع موشيه يعالون، قادة جيشه "غطاء" بأن لهم الحق في الجهر بآرائهم حتى إذا تعارضت مع آراء القيادة السياسية، ما دفع رئيس حكومته نتنياهو إلى "توبيخه".
ودعا يعالون الأحد الماضي، كبار الضباط في جيشه "لقول كل ما يريدونه بصراحة، وإن لم يتماش مع التيار الرئيس في الدولة"، وهو ما دفع نتنياهو إلى استدعاء يعالون إلى مكتبه الاثنين "لجلسة توبيخ"، بحسب موقع "المصدر" الإسرائيلي، الذي "سجل أعلى قدر من السلبية في العلاقة بين يعالون ونتنياهو، لكنها ليست بداية انهيار العلاقة"، على حد تعبيره.
وشهدت الفترة الأخيرة جدلا واسعا في "إسرائيل"، بسبب تصريح لنائب رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي الجنرال يائير غولان، في 5 أيار/ مايو الجاري، وصفته بعض وسائل الإعلام الإسرائيلي بـ"الأكثر غرابة"، حيث قال: "يشاهد في إسرائيل عمليات مشابهة لتلك التي حصلت في أوروبا قبيل المحرقة (الهولوكوست)".
تصريح غولان دفع وزير التربية والتعليم الإسرائيلي، نفتالي بينيت، إلى مطالبته بـ"الاعتذار مباشرة"، بينما أشاد به زعيم المعارضة يتسحاق هيرتسوغ، بحسب موقع "i24news" الإسرائيلي.
وأوضح الخبير في الشأن الإسرائيلي، عدنان أبو عامر، أن هناك "حالة من التباين في المواقف بين الحكومة الإسرائيلية ممثلة بوزرائها من جهة، وبين الجيش والمخابرات من جهة أخرى، وهذه الحالة مفادها أن المؤسسة العسكرية والأمنية تريد تهدئة الوضع مع الفلسطينيين، وتخفيف حدة العنف تجاههم، والوصول إلى تسويات سياسية واقتصادية ومعيشية معهم، سواء في الضفة أم غزة، في حين يريد المستوى السياسي استمرار الاستيطان والقمع وحالة الحروب مع الفلسطينيين".
خط أحمر
وأكد أبو عامر لـ"
عربي21"، أن ما يجري في "إسرائيل" هو "نقاش بين الإسرائيليين حول طبيعة الدور الذي يقوم به المستوى العسكري الميداني العملياتي، في الإجراءات السياسية التي تقوم بها حكومة الاحتلال تجاه الفلسطينيين".
وبين أن هذا النقاش "قائم منذ سنوات، لكن الجديد في الأمر هو أن المستوى العسكري، ومن خلال قادته الكبار -رئيس الأركان ورئيس الاستخبارات- أصبح يصدر مواقف علنية، وهو ما اعتبره بعض السياسيين الإسرائيليين تجاوزا لخط أحمر كبير، وللدور العملياتي التنفيذي للجيش والمخابرات، والذي يفترض أن يقدم توصياته في أطر مغلقة".
ولفت إلى أن المواقف السياسية العلنية الأخيرة، التي صدرت من بعض القادة العسكريين والأمنيين "ربما تكون سابقة تاريخية في إسرائيل؛ لأن النظام السياسي البرلماني لدى الاحتلال؛ صاحب القرار الأول فيه هو رئيس الحكومة، بصفته المسؤول عن الجيش والحكومة معا".
وأرجع أبو عامر الدافع وراء تصريح بعض قادة الجيش والمخابرات بآرائهم في العلن، وعدم اكتفائهم بالمداولات السرية في الاجتماعات الحكومية؛ إلى "شعورهم بأن حكومتهم الحالية تفتقر للمسؤولية، وتعرّض أمنهم للخطر"، مؤكدا أن "نقاش العسكريين في القضايا السياسية؛ يكشف ظهر الحكومة، ويشعرها بأنها ليست ذات مسؤولية سياسية كبيرة".
صناعة العدو
من جانبه؛ أكد الباحث في الشأن الإسرائيلي، جلال رمانة، أن
الخلاف بين العسكريين وبين السياسيين الإسرائيليين "قديم، لكنه يدار من وراء الكواليس، وينتهي الأمر بحسم المستوى السياسي لأي خلاف"، لافتا إلى أن "ما يمنع ظهوره إلى السطح؛ هو شعور الكل الإسرائيلي بالأخطار المحدقة به".
ويرى رمانة في حديثه لـ"
عربي21" أن "وصول الخلافات بين الليكوديين الأبرز نتنياهو ويعالون، لمرحلة متقدمة جدا؛ هو ما دفع يعالون إلى منح قادة جيشه غطاء شرعيا كاملا، والدفاع بذلك عن تصريح غولان".
وأوضح أن "مهاجمة نتنياهو لنائب رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي، الذي كشف المستور، كان بحجة أنه خرج عن تخصصه عندما تحدث عن التراجع القيمي والأخلاقي، وقارنه بما حدث في ألمانيا".
وحول مآلات ونتائج تصريح يعالون؛ بيّن رمانة أن هذا "سيشجع القادة العسكريين على الخوض في القضايا السياسية، وكسر المحرمات"، مشيرا إلى وجود العديد من "التوترات والانحدارات التي باتت تنتاب الكيان الصهيوني؛ وسط الأزمات العديدة التي يعاني منها، وتسببت في تراجعه في جميع المجالات" بحسب تقديره.
واستبعد أن تصل درجة الخلاف ين الجانبين إلى "حد الأزمة؛ لأن الاحتلال يعمل على
صناعة العدو من أجل أن يبقى صفه الداخلي موحدا".
وحول ما أعلن عن تسوية الخلاف بين نتنياهو ويعالون؛ فقد أكد رمانة، أن "هذه التسوية ظاهرية، وهي لحفظ ماء الوجه فقط"، موضحا أن البيان المشترك بينهما يحمل في طياته "غموضا كبيرا، ويؤكد أن الخلاف ما زال قائما بين الرجلين".
وأضاف: "جاء في البيان أنه (لا اعتراض على أن الجيش يخضع لإمرة المستوى السياسي، وأن لقادته حرية التعبير في الهيئات الملائمة)، وهو ما يدَع المجال لقادة الجيش للتدخل في الشأن السياسي".