في شهادة له أمام لجنة الشؤون الخارجية في
البرلمان البريطاني عقدت الثلاثاء، قال أحد الخبراء إن تقرير الحكومة الذي تحرى العلاقات المزعومة بين جماعة الإخوان المسلمين في المملكة المتحدة والإرهاب كان مضيعة لأموال دافعي الضرائب، وإن تأخير إصدار التقرير إنما مكن الأنظمة الدكتاتورية من تصعيد قمعها للجماعة.
جاء ذلك في جلسة للجنة شارك فيها عدد من المتحدثين حول التحقيق الخاص بالإسلام السياسي، والذي يأتي بعد صدور تقرير الحكومة المثير للخلاف حول جماعة الإخوان المسلمين والذي جرى تحت إشراف السير جون جينكينز، سفير المملكة المتحدة السابق لدى المملكة العربية السعودية.
وكانت أهم خلاصات التقرير الحكومي، قد نشرت في إحدى عشرة صفحة في أواخر شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وذلك بعد ثمانية عشر شهرا من الموعد الذي كان قد حدده لنشر التقرير رئيس الوزراء دافيد
كاميرون.
لم يخلص التقرير، الذي أورده موقع "ميدل إيس آي" البريطاني، إلى وجود علاقات مباشرة بين جماعة الإخوان المسلمين في بريطانيا من جهة، وبين الإسلام "الراديكالي" من جهة أخرى، إلا أنه وجد أن الانتساب إلى الجماعة يمكن أن يكون "مؤشرا محتملاً على التطرف" وأن الجماعة كانت بمثابة "السبيل" الذي سلكه بعض أعضائها للتوجه نحو العنف.
وكانت الجماعة، التي تأسست في مصر في عام 1928 ولكنها الآن ممتدة عبر فروع في كثير من الأقطار – وإن كان كثير من هذه الفروع لا يوجد كبير ارتباط بين بعضها البعض - قد نفت مسبقا تورطها في أي أعمال عنف أو تحريضها للآخرين على ارتكاب مثل هذه الأعمال.
في شهادته أمم اللجنة، قال أنس التكريتي، رئيس مؤسسة قرطبة التي تتخذ من المملكة المتحدة مقرا لها، إن التقرير الحكومي كان "معيبا من اللحظة الأولى لانطلاقه".
وقال التكريتي: "أشعر بأن التقرير منذ بدايته وحتى نهايته كان مشوبا بالأخطاء، وأعتقد أننا لم نتعلم منه شيئا. لقد أنفق دافعو الضرائب مبلغا كبيرا على شيء لم يتعلموا منه شيئا يذكر".
وأضاف أن تأخر الحكومة في الإعلان عما توصلت إليه من خلال التحقيق الذي أمرت به، كان في حد ذاته مصدر إشكال كبير.
وقال التكريتي: "لو كان هناك أي شيء في تقرير جينكينز يفيد بتورط جماعة الإخوان المسلمين أو ضلوعها أو تحريضها على العنف والتطرف، فإن التكتم عليه لما يقرب من ثمانية عشر شهرا هو في ذاته مصدر إشكال كبير جدا".
وأضاف: "بينما كنا نجلس هنا وربما نتفهم كيف يمكن أن يحصل هذا التأخير في الإعلان عن نتائج التحقيق، كانت الأنظمة التي تقمع جماعة الإخوان المسلمين ومؤيديها وكل من يشتبه بعلاقته بها تستخدم صمتنا لخدمة أغراضها وإنفاذ أجنداتها".
أما سندس عاصم، منسقة الإعلام الخارجي في مكتب الرئيس المصري محمد مرسي - الذي صدر بحقه حكم غيابي بالإعدام من إحدى المحاكم المصرية في شهر أيار/ مايو الماضي بتهمة التخابر - فقد قالت إن خلاصات التحقيق تفتقد إلى الإثبات وأخفقت في إبراز الدليل على أن جماعة الإخوان المسلمين تدعم العنف.
وقالت سندس: "أعتقد أن جماعة الإخوان المسلمين في مصر هي ضحية العنف السياسي، وخاصة العنف الذي ما فتئت تمارسه الدولة منذ نظام جمال عبد الناصر وانتهجته الأنظمة الدكتاتورية الأخرى حتى عبد الفتاح السيسي".
وأضافت أن "الذي ينبغي أن يندد به في هذه اللحظة هو العنف العشوائي الذي يمارسه السيسي والمؤسسة العسكرية ضد السياسيين من كافة الطيف السياسي، بما في ذلك الإخوان المسلمين الذين باتوا أكثر المستهدفين بالعنف وبالإرهاب الذي ترعاه الدولة".
وأما إبراهيم منير، نائب المرشد العام للإخوان المسلمين، فقال إن التقرير الحكومي "تجاوز عن ستين عاما وما يزيد من الحكم العسكري في مصر".
وقال منير أمام اللجنة: "طوال تلك العقود لم يكن ثمة دليل واحد على أن جماعة الإخوان المسلمين ارتكبت عملاً عنيفا واحدا".
وقال منير إن التقرير الحكومي حرف كتابات سيد قطب، وقدمها على غير ما هي عليه، وأخرج أفكاره من سياقها الصحيح، ذلك أنه كان يدافع عن الإسلام من خلال "مواجهة أيديولوجية" مع الماركسية. وسيد قطب مفكر بارز وواحد من مؤسسي الفكر الإخواني.
وقال: "كل من يقرأ سيد قطب سيخلص إلى أنه لم يدع إلى أي عنف".
تأتي الشهادات التي أدلى بها هؤلاء يوم الثلاثاء، لتؤكد ما صرح به ثلاثة خبراء أكاديميين الشهر الماضي حينما أخبروا اللجنة نفسها بأن تقرير جينكنز قد بالغ في توصيف علاقة الإخوان المسلمين بالعنف، وأنه كان في بعض الأوقات غير صائب وكان عاجزا عن إدراك الفروق الدقيقة.
ولقد اتهم ناقدو التقرير بريطانيا بإجراء التحقيق تحت الضغط من قبل حلفائها في دول الخليج.
وكان الضوء قد سلط على ذلك في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، حينما نشرت تقارير تفيد بوجود وثائق تكشف عن أن دولة الإمارات العربية المتحدة كانت قد هددت بإلغاء عدد من صفقات السلاح السخية مع المملكة المتحدة، وبوقف الاستثمارات الواردة وقطع التعاون الاستخباراتي إذا لم يتخذ كاميرون إجراءات ضد الجماعة.
من الجدير بالذكر أن التحقيق الذي تجريه لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني يستهدف تحري خواص وصفات الأشكال المختلفة للإسلام السياسي، وما إذا كانت وزارة الخارجية البريطانية قد ألمت بذلك وأحسنت التعامل مع الموضوع أم لا.