فيما تكبد الدينار
التونسي خسائر صعبة وقاسية أمام اليورو والدولار خلال التعاملات الأخيرة، ووصل سعر صرف
الدينار التونسي إلى مستويات تاريخية لم يبلغها منذ عقود، أرجعت مصادر رسمية هذه الخسائر إلى هشاشة الوضع
الاقتصادي، وتقلص نسبة النمو السنوي، وتراجع مؤشرات الإنتاج.
وبلغ سعر صرف الدينار التونسي خلال تعاملات الأسبوع الماضي نحو 2.4379 دينار مقابل اليورو، و2.1399 دينار تونسي مقابل الدولار، وهي مستويات قياسية لانخفاض الدينار مقابل العملات الدولية الكبرى، وفق خبراء تونسيين في مجال المالية والاقتصاد.
ومن شأن هذا الانزلاق أن يؤثر على قدرة تونس على الإيفاء بالتزاماتها المتعلقة بالديون الخارجية، إضافة إلى تراجع القدرة الشرائية للتونسيين، ودق ناقوس الخطر، وتداول شبح الإفلاس بين خبراء المالية والاقتصاد.
ولا يمكن أن تتدارك تونس هذا الانزلاق في فترة وجيزة، وذلك بالنظر إلى استفحال عجز الميزان التجاري وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية المستوردة.
ووفق مؤشرات قدمها المعهد الوطني للإحصاء في تونس، فقد عرفت المبادلات التجارية ميلا لصالح الواردات؛ إذ انخفضت الصادرات بنسبة 3 في المئة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من السنة الحالية، فيما شهدت الواردات زيادة بنسبة 7.5 في المائة.
وفي تعليقه على ما آل إليه وضع الدينار التونسي، قال الشاذلي العياري، محافظ البنك المركزي التونسي، وفقا لصحيفة "الشرق الأوسط" السعودية: "إننا نعمل جاهدين، خلال هذه الفترة، على التقليص قدر الإمكان من حالة التذبذب التي يعيشها الدينار التونسي في الوقت الراهن".
وأوضح خلال جلسة استماع لوزير المالية خصصتها لجنة المالية والتنمية والتخطيط (لجنة برلمانية) لمناقشة سعي تونس إلى إصدار قرض رقاعي (سندات طويلة المدى) بقيمة مليار دينار تونسي (نحو 500 مليون دولار) للسوق الدولية، أن تقهقر الدينار يختزل الوضع الاقتصادي الذي تعيشه تونس، على حد تعبيره.
وبين أن انحدار العملة الوطنية خلال السنوات الماضية، واحتدامه حاليا، لا يمكن أن يمنعه قرار من البنك المركزي التونسي، في ظل تنامي العوامل التي أسهمت في تراجعه، ومنها هشاشة الوضع الاقتصادي، وتقلص نسبة النمو السنوي، وتراجع مؤشرات الإنتاج.
ونتيجة للانكماش الاقتصادي الحاد الذي تشهده تونس، تراجع المخزون الوطني من العملة الصعبة من 120 يوم توريد بداية ،2016 إلى ما يقارب 109 أيام توريد حاليا، وفق محافظ البنك المركزي التونسي.
وقال العياري إن تونس أضحت في حاجة ماسة إلى قرض رقاعي (سندات طويلة المدى)، ستصدره بضمانات يقدمها الطرف الأميركي، لدعم مخزوناتها من العملة الصعبة، وسداد ديونها الخارجية التي قرب أجل خلاصها.
وتعود أزمة الاقتصاد التونسي بالأساس إلى النمو السلبي لمعظم مؤشرات الصادرات، وغياب المعونات والهبات الخارجية خلال الأشهر الستة الأخيرة، إضافة إلى التذبذب على مستوى عدة قطاعات إنتاجية حيوية، من بينها الفوسفات والمحروقات، خصوصا القطاع النفطي، وتسجيل ميزان الخدمات نتائج سلبية نتيجة لتراجع النشاط السياحي، الذي يعد أحد أهم مصادر توفير العملة الصعبة، وتأثره بالهجمات
الإرهابية التي شهدتها البلاد سنة 2015.
وخلال السنوات الماضية، تراجع التصنيف الائتماني لتونس، وانحصر في الدرجة "ب"، وهو تصنيف يعني أن البلاد غير قادرة على الالتزام بكل تعهداتها المالية تجاه هياكل التمويل العالمية، والسبب في هذا الوضع يرجع إلى تعطل آلة الإنتاج والتراجع الحاد للصادرات، خصوصا الصناعات التحويلية.
وكان كثير من الخبراء في الاقتصاد قد حذروا من تواصل انزلاق الدينار التونسي، الذي فسروه بعوامل خارجية لا تأثير للوضع الداخلي عليها، على غرار ركود معظم اقتصادات دول الاتحاد الأوروبي، أكبر سوق استهلاكية للمنتجات التونسية، وعوامل داخلية من أهمها تراجع مؤشرات الإنتاج.