على مدار ثلاث سنوات ونيف؛ التزمت الصحف ووسائل الإعلام
المصرية الخاصة، وتلك التابعة للدولة؛ الصمت حيال ما يحدث من انتهاكات في السجون التي اكتظت بآلاف
المعتقلين المعارضين، وتخلت عن دورها في كشف تلك الانتهاكات، وفق نشطاء وحقوقيين وصحفيين.
وفي هذا الصدد؛ قال المحامي والناشط الحقوقي، عزت غنيم، إن "المواقع الإخبارية الإلكترونية، والصحف الحكومية والخاصة؛ تمارس تعتيما حقيقيا على ما يحدث داخل السجون"، مستدركا بأنه "لا تزال بعض الصحف والمواقع الإلكترونية المحترمة تعمل على كشف تلك الانتهاكات، وتنشر التقارير الحقوقية الخاصة بها، وشهادات الشهود".
ابتزاز النظام
وأشار إلى بحث أجراه بشأن دور الإعلام المصري في كشف انتهاكات حقوق الإنسان، من خلال المقارنة بين صحيفة "المصري اليوم" الخاصة، وبين صحيفة "العربي الجديد" القطرية، في الفترة من كانون الثاني/ يناير 2015 وحتى حزيران/ يونيو الماضي، "فكانت نتيجة البحث؛ أن صحيفة المصري اليوم لم تذكر سوى ثلاثة انتهاكات حقوقية، في مقابل مئات الانتهاكات التي رصدتها الصحيفة الأخرى".
وأكد غنيم أن الصحف الخاصة التابعة لرجال الأعمال "تستغل ملف انتهاكات حقوق الإنسان لمناكفة الدولة، فبالرغم من أنها صحف موالية للنظام؛ فإنها تبرز الانتهاكات في حال هُددت مصالحها من قبَل النظام"، واصفا هذا السلوك بأنه "التلاعب بإنسانية الآخرين".
صنائع الانقلاب
بدورها؛ قالت الصحفية فجر عاطف إن "الصحف القومية والحزبية والخاصة؛ باتت وكأنها منشورات موزعة من قبَل النظام الانقلابي"، مؤكدة أن "الانقلابيين في مصر أحكموا سيطرتهم على الإعلام".
وأضافت لـ"
عربي21" أنه "ليس من المستغرب أن تفتقر هذه الصحف للمهنية؛ لأن من يعمل فيها ليسوا إلا أيادي انقلابية، لا ترى إلا ما يراه الانقلاب، وهذا ما يجعلها تغض الطرف عن أي ظلم أو مفسدة".
ولفتت "فجر" إلى أن "كافة محاولات الصحفيين التي تراعي ضميرهم المهني؛ تلاحَق، وتراقب، وتلقى الكثير من العنت من قبل الانقلاب"، مشيرة إلى وجود 90 صحفيا وإعلاميا خلف قضبان السجون، "وهم بالطبع ليسوا جميعا من مناهضي الانقلاب، بل إن كثيرين منهم مؤيدون للنظام، ولكن الحكم العسكري بطبيبعته لا يتقبل أي نقد"، بحسب تعبيرها.
المسيح الدجال
من جهته؛ قال الرئيس السابق لمحكمة المنصورة الابتدائية، المستشار عماد أبو هاشم، إن "من يصدق أن في مصر إعلاما مستقلا؛ مغيَّبٌ عن الواقع، فكل مؤسسات دولة العسكر، بما فيها وسائل الإعلام؛ ليست إلا ديكورا لا قيمة له".
وكشف أن "لدى أجهزة الأمن المصرية الكثير من التسجيلات والوثائق التي تدين كثيرا من الإعلاميين والصحفيين ورجال الأعمال بأعمال مشينة، وبذلك تتم السيطرة عليهم"، واصفا الإعلام المصري بـ"المسيح الدجال"، الذي "ينتقي له أفرادا مستعدين للتنازل عن كل شيء، والمتاجرة بكل شيء".
وأضاف لـ"
عربي21" أن "الصمت العام في وسائل الإعلام بأنواعها؛ يؤكد حقيقة أنها تشكل ظلا باهتا للنظام الحاكم، وأنها تؤدي الدور المنوط بها باعتبارها أذرع الحكم العسكري في مصر، من خلال إشعال النيران وقذف الحمم على من يعادي النظام، ولو كان قديسا أو صديقا، وإلقاء الورود والرياحين على من يمالئ النظام، ولو كان شيطانا أو خائنا".
تحقيق وحوار
بدورها؛ رأت الكاتبة الصحفية نور الهدى زكي، أن هناك مسافة من الشك والتشكك بين الصحافة المصرية، وبين المنظمات الحقوقية، بشأن كمية وكيفية الانتهاكات الحقوقية، سواء العامة منها أم تلك التي تقع في السجون.
وقالت لـ"
عربي21": "هناك تجاهل من الإعلام بشكل عام، وهجوم على عمل المنظمات، ولكن المطلوب هو التحقيق والتمحيص في ما تدعيه هذه المنظمات، فإذا كان صحيحا؛ فإنه يجب إيجاد حوار بين المنظمات الحقوقية والمجتمع المدني من ناحية، وبين الداخلية والإعلام والصحافة من ناحية أخرى".
وأضافت نور الهدى، أنه "في الوقت نفسه؛ أجد من الضروري أن تتواصل الداخلية مع المنظمات الحقوقية لدفع الشبهات التي تدعيها تلك المنظمات عنها، وإيجاد صيغة تفاهم"، لافتة إلى أنه "من غير المقبول أيضا؛ حرمان السجناء من حقوقهم بالتريض، والأدوية، والعلاج، والزيارة، وعلى الصحافة والإعلام فتح باب التواصل في هذا الشأن مع تلك المنظمات لاستجلاء الحقائق".
تواطؤ مع النظام
أما الناشط السياسي حازم رضا؛ فقال إن "هناك بعض المؤسسات الصحفية الرسمية الخاصة؛ تعمل على تزييف الوعي، وقلب الحقائق وإخفائها، مع أن المفترض في الصحافة أن تكون مهنة كشف الحقيقة"، واصفا التعتيم على أخبار المعتقلين بأنه "تآمر على مهنة الصحافة".
ووصف ما يتعرض له السجناء السياسيون داخل المعتقلات بـ"القتل البطيء خارج إطار القانون"، رافضا الصمت عن التعذيب الممنهج بحق المعتقلين؛ من "تجويع، وتعرية، وضرب، وامتهان لكرامتهم، وتعنت معهم ومع أسرهم".
وأضاف لـ"
عربي21": "التواطؤ مع النظام في إخفاء تلك الجرائم؛ جريمة في حد ذاته".