قديماً تساءل أمير الشعراء أحمد شوقي:
أحرام على بلابله الدوح
حلال للطير من كل جنس
كل دار أحق بالأهل إلا
في غريب من المذاهب رجس
لم يعد تساؤل شوقي غريباً في عالم اليوم ونحن نشاهد ما أكثر غرائبية في دولنا التي تنفق ملايين الدولارات لتجنيس لاعبين غرباء عن هويتنا وثقافتنا وديننا وعاداتنا وتقاليدنا وفي مقابل ذلك يتم تجريد الأحرار من الأكاديميين والمثقفين وأهل الرأي والإبداع من جنسياتهم بل وتجريد أطفالهم وأسرهم من الجنسية ولوازمها..
فهل نحن في زمن توطين الهزل وتهجير العقول؟ إذا لم يكن هذا هو زمان الهزل فماذا نسمي تجنيس الإمارات للبرازيلي لاعب الجودو "سيرجيو توما" وسحب جنسية المواطن الإماراتي العربي المسلم الدكتور على الحمادي الخبير والمدرب الإداري وغيره من المبدعين الذين مثلوا الإمارات في ميادين الجد لا الهزل والإلهاء وميادين العلم لا اللعب وميادين العمل الخيري كالأخ حسين الجابري رائد العمل الخيري وغيره من قادة الرأي.
رذائل الاستبداد لا تنفد وتتصاعد باستمرار، فكل يوم يترصد النظام الاستبدادي لكل مظهر من مظاهر الصحوة واليقظة والخير والدعوة إلى التطوير والإصلاح ويضيق الخناق على الأحرار والمصلحين ويفتح في مقابل ذلك الأبواب مشرعة أمام مشاريع الإلهاء وتسطيح الوعي وتنمية الاهتمامات الساذجة.
ولا غرابة إذا شاهدنا هذا النظام يتوغل يوماً بعد آخر في تكبيل الأحرار في السجون وتهجيرهم خارج الوطن وتجريدهم من الجنسية وسحب جوازات السفر الخاصة بأطفالهم ونسائهم، وفي مقابل ذلك ينفق ملايين الدولارات لتجنيس غرباء عن هوية البلد وثقافته ودينه لتوظيفهم في كسب إنجازات وهمية في مجال اللعب والإلهاء ونحن هنا لا نرفض تجنيس العقول المفكرة والمبدعة التي تخدم أهداف المجتمع وثقافته وهويته ومصالحه الحقيقية مع الاستفادة القصوى من المواهب الوطنية دون إقصاء أو تهميش.
ما نرفضه هو إهدار الثروات فما يجمع اليوم بين تجريد المفكرين وأهل الرأي من جنسيتهم وإهدار الملايين لتجنيس الأجانب في مجالات اللعب والإلهاء هو الإهدار بجميع أصنافه: إهدار الثروة المادية، وإهدار الثروة العقلية والفكرية.. إهدار المال بتجنيس أهل اللعب وإهدار العقل بسحب جنسية أهل الرأي..
وحتماً سيذهب الزبد جفاءً ويبقى ما ينفع الناس من الأعمال الصالحة وسيأتي اليوم الذي يدرك فيه الجميع فداحة السكوت عن الأخطاء وضرورة ارتفاع أصوات الجميع من أجل مستقبل وطن حر يحتضن جميع أبنائه ويستفيد من العقول الراجحة ويستجيب لمطالب الإصلاح..