بعد إقالة وزير التموين، تحدثت الصحف الرسمية عن إجراء تعديل وزاري يشمل أربع حقائب وزارية، بما فيها التموين، خلال أيام، وأشارت الترجيحات إلى إجراء التغييرات في مناصب وزراء: الاستثمار والسياحة والصحة إلى جانب التموين.
وسواء اقتصر التعديل على منصب وزير التموين وحده، أو تخطاه إلى أربع وزارات، أو وصل الأمر إلى تغيير الوزارة، فإن ذلك لا يغير كثيرا من المزاج العام لعموم المواطنين.
فالكل يعرف أن دفة الأمور بيد الجنرال، والذي يتدخل في عمل الوزارات بشكل مستمر، حتى إنه يقابلهم في غياب رئيس الوزارة.
فعندما قرر الجنرال استصلاح مليون فدان خلال عام واحد، لم يكن يجرؤ وزير الزراعة أو وزير الري على تنبيهه، إلى أن المياه الجوفية التي سيعتمد عليها المشروع غير متجددة، ما يهدد تلك المساحات بالبوار بعد ثلاثة عقود على الأكثر، وهو أمر أثبته تقرير لخبراء منظمة الأغدية والزراعة.
وعندما قرر الجنرال إنشاء عاصمة جديدة، لم يكن وزير الإسكان أو وزير المالية يستطيع التنبيه إلى ضخامة الاستثمارات المطلوبة لتنفيذ ذلك، في ضوء امتناع الشركات العربية والأجنبية عن تمويل المشروع.
وحين قرر الجنرال بين يوم وليلة، تنفيذ تفريعة لقناة السويس سماها قناة السويس الجديدة، لم يجرؤ وزير التخطيط أن ينبهه إلى أن القناة تستوعب قبل تلك التفريعة مرور 78 سفينة يوميا، بينما ما يمر بالفعل يقل عن 46 سفينة، ولم يكن يقدر على أن يذكره بتراجع النمو العالمي والتجارة الدولية بما يقلل من عدد السفن العابرة للقناة.
ويتكرر ذلك مع باقي الوزراء، بل ورئيس الوزراء نفسه، الذي يمتنع عن الحديث عن مشكلة سعر صرف الجنيه، كما يمتنع رئيس الوزراء عن التحدث عن ملف الحريات والمعتقلين، وغيرها من الملفات التي يستأثر بها الجنرال.
من كل ما سبق لا يكترث كثير من المصريين بالتعديلات الوزارية، فخلال فترة الجنرال تغيرت عدة وزارات، دون أن تتحسن أحوالهم بل زادت المعاناة، وأصبح الأمل لدى الكثيرين هو رحيل الجنرال نفسه، باعتباره السبب الرئيسي في الانقسام المجتمعي وغياب الديموقراطية والإخفاق الاقتصادي.
وفيما يخص التعديل الوزاري المرتقب، فإن تغيير وزير التموين لن يغير كثيرا، من واقع ملف أسعار المواد الغذائية التي يشكو منها غالبية المصريين، فالبلاد تتجه لتنفيذ مطالب صندوق الدولي، والتي تتضمن خفض الدعم على المواد البترولية وعلى الغذاء، ولهذا سيستمر تقليل عدد الأسر المستفيدة من البطاقات التموينية المدعمة.
كما ستظل ملفات معينة خارج قدرة الوزارة على التدخل فيها، وأبرزها احتكار البعض لاستيراد السلع الغذائية مثل الزيت والسكر والذرة وغيرها، والتي تشارك فيها أجهزة سيادية، حتى إن البعض ربط بين إقالة وزير التموين وخشية امتداد الاتهام لشخصيات نافذة بملف فساد توريد القمح.
أما وزيرة الاستثمار التي طالب البعض بتغييرها، فماذا تفعل مع مناخ استثماري غير جاذب بل وطارد للاستثمار؟، ووزارات تعمل كجزر منعزلة، فإلى جانب المعوقات الاقتصادية للاستثمار، من قلة الأراضي الصناعية المرفقة، وصعوبات التمويل وارتفاع تكلفته وارتفاع نسبة التضخم، ونقص الدولار وصعوبات تحويل الأرباح وغيرها.
هناك عوامل أخرى سياسية وأمنية يتسبب فيها النظام، مثل إسناد كثير من المشروعات للجيش، والتدخل في أعمال القضاء، والبرلمان المصطنع، والأحزاب الكرتونية والموقف المتراخي إزاء الفساد، وإقالة رئيس جهاز المحاسبات المعني بمقاومة الفساد، والتصفية الجسدية للمعارضين ومنع التظاهر وتجريم مرتكبيه وغيرها.
وماذا يفعل أي وزير سياحة قادم، مع شك خارجي في سلامة الإجراءات داخل المطارات المصرية، وخطف طائرة مصرية وسقوط طائرة أخرى، وتصفية قوات مسلحة لسياح مكسيكيين، رغم إبلاغ السلطات مسبقا بمسار رحلتهم ومرافقة مسؤول شرطي لهم، ومقتل الباحث الإيطالي ريجيني، الذي صدرت عدة تفسيرات من وزارة الداخلية لمقتله، ثم التراجع عنها، وكثرة حوادث الطرق وغيرها.
وماذا يفعل وزير الصحة الحالي أو الجديد مع مشكلة نقص مئات أصناف الدواء، بسبب نقص الدولار، ما يؤدي لعجز الشركات المستوردة عن جلب تلك الأصناف، وكذلك عجز الشركات المنتجة محليا عن استيراد الخامات، رغم أن هناك أولوية لاستيراد الدواء بالبنك المركزي.
وماذا يفعل وزير الصحة مع تدهور الخدمات الصحية في ضوء موازنة لا تكفي، تتجه معظم نفقاتها لبند الأجور، وقرى نصفها دون صرف صحي، وانقطاع لمياه الشرب بكثير من الأماكن، وتلوث بيئي متعدد الأشكال.
لذا؛ يظل الخبر الأهم الذي يجذب اهتمام المصريين، هو ما يتعلق بمصير الجنرال وليس غيره.