نزحت حوالي 3 آلاف أسرة سورية من حي
الحمدانية في
حلب بعد اقتراب المعارك بين الفصائل المقاتلة وقوات النظام السوري من الحي، كما نزح معظم سكان الحي الرابع، الذي يعتبر أقرب النقاط إلى منطقة الراموسة، جنوب غرب المدينة، حيث المعارك على أشدها دون توقف، لتصبح معظم منازل هؤلاء الناس مقرات للشبيحة.
ونزحت الأسر عن حي الحمدانية المقسم إلى أحياء ومشاريع تسمى بحسب عدد الشقق، مثل حي الـ3 آلاف شقة، ما يعني أن 3 آلاف عائلة نزحت من هذه المنطقة، وهكذا.
يقول أبو محمد (50 عاما) لـ"
عربي21" إنه نزح وعائلته من الحي الرابع إلى أحياء في عمق مدينة حلب، مضيفا: "خرجت من منزلي أنا وعائلتي في الطرف الغربي الذي تسيطر عليه قوات النظام، عند اشتباكات الكلية الفنية الجوية، إلا أنني عندما عدت بعد أيام لأحصل على بعض الأشياء اللازمة، تفاجأت بأمور جديدة طرأت عليه".
ويصف أبو محمد لحظة خروجه من منزله قائلا: "كنا على عجل عندما خرجت أنا وأسرتي خوفا على حياتنا، وحصلنا على منزل في منطقة المارتيني القريبة من الجامعة بعد مساعدة أحد الأصدقاء، لكنني بعد يومين أدركت أن المنزل الجديد بحاجة للكثير من الأثاث والأدوات، ولم أكن أملك مالا لشرائها، فتوجهت لمنزلي في الحمدانية رغم خطورة الوضع هناك، ولدى وصولي وجدت أن منزلي أصبح مقرا لإحدى مجموعات
الشبيحة، فلم أملك إلا الترحيب بهم وإظهار عدم استيائي"، وفق قوله.
يضيف: "لو أظهرت أي انزعاج منهم فهذا يعني أن حياتي أن انتهت، وليس هنالك من يحاسَب، وكما يقولون هي حالة حرب، لكنني طلبت منهم أن أحصل على بعض الأغراض من المنزل، وبعد توسل مني وافقوا على حصولي على الملابس فقط، أما باقي أدوات المنزل وأثاثه فقد قالوا إنهم يحتاجونها، بل سألوني: هل ترضى لنا أن نقيم في منزل فارغ من الأثاث؟ وكان جوابي أن هذا حقهم، وبالفعل اكتفيت بأخذ ملابسنا ومضيت دون اعتراض، وخسارتي هذه أرحم من الموت".
ويوضح أن "قلة من الأهالي نجحت في نقل بعض الأشياء"، مضيفا: "لكن ذلك لم يمر على خير كما يقال". فقد تمكن جزء منهم من الحصول على أشيائه وإيصالها إلى مكان إقامته الجديد، فيما لم يتمكن كثيرون من ذلك، ومنهم الموظف في الخطوط الحديدية معن الذي قام بتحميل معظم حاجياته في سيارة "سوزوكي" وتوجه للخروج من الحي، قبل أن توقفه أحد حواجز الشبيحة.
يروي معن لــ"
عربي21" تفاصيل ما حدث معه، قائلا: "أوقفني عناصر الحاجز من شبيحة حلب المعروفين وطلبوا مني فواتير شراء لما أحمله معي بالسيارة، ومن أين الفواتير؟ فمعظم أثاث منزلي اشتريته عندما تزوجت منذ تسعة أعوام، ولا فواتير لدي بالتأكيد، إذ لم تدرج عادة الاحتفاظ بفواتير الشراء في مجتمعنا، بل معظم ما نشتريه يكون دون فاتورة أصلا"، على حد قوله.
يضيف معن: "أخبرتهم بأن أغراضي قديمة ولا فواتير لدي، لكنهم و"بحس وطني عال" يُسمح لهم بسرقة كل شيء باسم الوطن، فقد أخبروني أنهم لا يستطيعون السماح لي بإخراج الأشياء من الحي دون فواتير، وما يدريهم أنني لم أسرقها من أحد البيوت، وبعد التوسل والرجاء لم أُجد نفعا ولم أحقق هدفا، فقد طلبوا مني أن أترك الأشياء على الحاجز وأمضي، أو أعيدها من حيث أخذتها، ففضلت إعادتها إلى المنزل وبالفعل قمت بذلك ورحلت، لكن غالبا سأخسر منزلي وأغراضي كما حدث مع الكثيرين، فهؤلاء الشبيحة أنفسهم سيقومون بتفريغ البيوت من كل شيء كما فعلوا سابقا وفي أماكن أخرى".
وعبر برنامج المحادثة "واتس آب" تمكنت "
عربي21" من إجراء حوارات مع عدد من الأهالي الذين نزحوا عن حي الحمدانية، ومعظهم شرح الحال نفسه، وعلى الرغم من أن بعضهم تمكنوا من إخراج كل ما يملكون من أشياء، لكنهم يدركون تماما أنه لا عودة إلى بيوتهم.
وتقول أم عبد الرحيم، وهي نازحة من الحي: "أعتقد أن المكان أصبح جبهة لمعركة طويلة، وفي أية لحظة يتمكن الجيش الحر من السيطرة التامة على المنطقة، ستبدأ الطائرات بالقصف وتدمير المنطقة، رغم أن البعض يمتلك الأمل ويعتبر النزوح مؤقتا، إلا أنني أرى أنه لا عودة في المدى المنظور".