انتقدت منظمات
تونسية ما جاء في بلاغ لديوان الإفتاء؛ دعا إلى "ترك الاحتجاجات والاعتصامات والانصراف للعمل والدراسة"، معتبرة ما صدر عن المفتي عثمان بطيخ تدخّلا في مجال يتجاوز اختصاصه.
وكان ديوان الإفتاء قد دعا في بلاغ، الاثنين، التونسيين "أينما كانوا في مواقعهم الإدارية أو في المصانع والمتاجر أو في الحقول أو في المدارس والمعاهد والكليات؛ أن يصرفوا جهودهم كاملة إلى الإقبال على العمل وعلى الدراسة، وأن يجتهدوا في تحسين مردودهم وتطوير مجهودهم".
وحث البيان على "ترك الاحتجاجات العشوائية والاعتصامات المعطلة للعمل والإنتاج وسدّ الطرق والإضرار بالملك العام"، مستعرضا الآية الكريمة: "وإذا تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد".
مفترق طرق
وأشار البلاغ الذي وقّعه المفتي عثمان بطيّخ إلى أن تونس اليوم على مفترق طرق، "فإما أن نخلص الجهد لإنقاذها كلّ على قدر مسؤوليته، أو لا قدّر الله كنا كمن قال فيهم المولى عز وجل: يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين"، وفق البلاغ.
ولاحقا، قال المفتي بطيخ في تصريح لإذاعة "شمس إف إم"؛ إنّ ما صدر عنه ليس فتوى، "بل تحريض للتونسيين على العمل"، وفق تعبيره.
واعتبر أنّ الانقطاع عن العمل محرم شرعا، وبات له انعكاس سيئ على الاقتصاد التونسي، مشيرا إلى تراجع قيمة الدينار التونسي وهجرة رأس المال المحلي والأجنبي.
وبينما أشار إلى أنّ حق الإضراب مكفول بالدستور، استدرك قائلا: "حق العمل أيضا مكفول بالدستور، فهناك من يعطل ويمنع غيره من العمل رغم أنّه واجب شرعي، لذلك لا بد من الضرب على أيدي العابثين بحقوق غيرهم وتطبيق القانون عليهم"، على حد تعبيره.
"لم تحدث في عهد حكم الكنيسة"
من جهته، استغرب الاتحاد العام التونسي للشغل مما صدر عن ديوان الإفتاء، معتبرا بلاغ المفتي عثمان بطيخ "عنصر تفرقة" بين التونسيين.
وقال الأمين العام المساعد للمنظمة الشغيلة، بوعلي المباركي" في تصريح لـ"عربي21"" إنه يحترم مؤسسة ديوان الإفتاء، لكنه تساءل عن سرّ توقيت الفتوى التي تحرّم
الإضرابات والاحتجاجات الاجتماعية.
وأضاف: "هذه فزّورة لم تحدث في تاريخ الدول ولا في عهد حكم الكنيسة، وقد نراه يوما يقسّم الاحتجاجات بين حلال وحرام"، مشيرا إلى أن الاحتجاجات التي يساندها الاتحاد في الجهات أو في إقليم العاصمة عادة ما تكون سلمية، وليس فيها إضرار بالمصلحة العامة أو المرفق العمومي، وفق قوله.
وتابع بأن تونس دولة قانون ومؤسسات يستند إليها الاتحاد في كل تحركاته من اجل مصلحة العامل وصاحب العمل، "وبالتالي لا نحتاج إلى فتوى، ولا يحق لأحد تحريم التحركات الاحتجاجية أو القول بأنّها غير جائزة شرعا"، وفق تعبيره.
وطالب المباركي من المفتي بالنأي بنفسه عن هذه المواضيع "التي يهدف البعض إلى شيطنتها من خلال حشر ديوان الإفتاء فيها، وهو ما يمسّ من مصداقية هذه المؤسسة ويحيد بها عن دورها الحقيقي".
توظيف السلطة الدينية
من جهته، استنكر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية؛ ما جاء في بلاغ مؤسسة الإفتاء التي اعتبر أنها "تدخلت في مجال يتجاوز اختصاصاتها ويتعلق بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية والنضالات المرتبطة بالدفاع عن المواطنة الكاملة للجميع".
واتهم المنتدى؛ ديوان الإفتاء، في بيان نقلته وكالة تونس إفريقيا للأنباء، بـ"تبرير سياسة رسمية ترمي إلى تجريم
الحركات الاجتماعية"، ورأى أنه بلاغ الإفتاء يهدد بدفع التونسيين الى الاحتقان، وفق تقديره المنتدى.
ودعا المنتدى؛ رئاسة الجمهورية إلى "تحمل مسؤولياتها في حماية الدستور الضامن لمدنية الدولة وللحريات المدنية والسياسية، وإلى مساءلة مفتي الجمهورية التونسية عن دوافع ومقاصد هذا البلاغ".
يُشار إلى أنّ الرئيس الباجي قايد السبسي له صلاحية، بموجب الفصل 78 من الدستور، تعيين مفتي الديار التونسية وإعفائه.
ورأى مراقبون أنّ بلاغ المفتي بطّيخ يأتي ردّا على بيان كانت "الحركات الاجتماعية" قد أصدرته، الأحد، في ختام الدورة الأولى لـ"الجامعة الصيفية للحركات الاجتماعية" التي شارك فيها نحو 80 ممثلا عن الحركات الاجتماعية من مختلف مناطق البلاد.
وكان النائب عن حركة النهضة، صادق شورو، قد طالب في مداخلة له بالمجلس الوطني التأسيسي في يوم 23 كانون الثاني/ يناير 2012 بتطبيق حدّ الحرابة على المشاركين في الاحتجاجات والإضرابات والاعتصامات، التي عمت البلاد وقتها، وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، ما أثار موجة من الاستنكار لدى الرأي العام في تونس آنذاك.
لكن المفتي بطيّخ قال في تصريحه الإذاعي إنه لا يقصد قطع الأيدي أو تطبيق حد الحرابة، واصفا إلى ما قاله القيادي النهضوي بأنها "اجتهاد شخصي" ولا يعنيه.