أثار هجوم
تنظيم الدولة المفاجئ على محافظة
كركوك العراقية أمس الجمعة، تساؤلات عدة بشأن توقيت الهجوم وعواقبه على مكونات المحافظة، وإمكانية تأثيره على المعارك الجارية في
الموصل والأطراف المشاركة فيها.
وفي قراءة تحليلية للأحداث الجارية في كركوك، أجرت "
عربي21" حوارات مع عدد من المختصين بالشأن العراقي، للوقوف على ما يجري في كروك وتبعاته على المعارك الجارية في الموصل والأطراف المشاركة فيها.
ولعل فتح تنظيم الدولة لجبهة كركوك، من وجهة نظر باحث عراقي، يأتي في سياق عسكري يفرضه التنظيم في أغلب معاركه التي يمكن وصفها بأنها "مصيرية"، خاصة أنه قادر على المباغتة وفتح الجبهات وفرض واقع يربك المشهد الأمني مع القرب الجغرافي لنينوى وكركوك.
ورأى الباحث في الشأن الدولي الدكتور زيد الأعظمي، في حديث لـ"
عربي21"، أن تنظيم الدولة استغل ما يمكن وصفه بـ"الخدر الأمني" مع نهاية الأسبوع من جهة، وترقب انطلاقة معارك الحويجة (قضاء في كروك يسيطر عليه تنظيم الدولة منذ 2014) التي أوضحت البيانات الرسمية والتصريحات الصحفية قرب انطلاقتها في قريب الأيام من جهة أخرى.
وأضاف أنه "بعد حالة الإرباك الأمني وامتلاء مستشفيات كركوك والسليمانية بضحايا مباغتة تنظيم الدولة، يبدأ الاستثمار السياسي في مهاجمة الخصوم، ومحاولة إضعافهم، لتؤكد لنا الأزمة انشطار المشهد الكردي عاموديا".
وأوضح الدكتور الأعظمي، أن الاتحاد الوطني مع جبهة المالكي يقف ضد الحزب الديمقراطي مع جبهة رئيس الحكومة العبادي، وبذلك تبرز الحاجة إلى فواعل أمنية جديدة كالحشد الشعبي الذي يعد ذراع المالكي العسكرية لفرض واقع أمني وسياسي في كركوك يميل لصالح السليمانية.
وعن انتشار مسلحي حزب العمال الكردستاني في كركوك، قال الباحث العراقي إن "حزب العمال الكردستاني بات جزءا من منظومة المليشيات العراقية، مع تأكيدات إعلامية وسياسية تؤكد تقاضي 500 عنصر من أفراده رواتب من هيئة الحشد الشعبي".
ووفقا للأعظمي، فإنه "بذلك يكون ضاغطا أمنيا إقليميا جديدا تستخدمه المليشيات من جهة وضاغطا سياسيا تستثمره السليمانية من جهة أخرى في مجابهة خصومها من أطراف بغداد وأربيل وحتى أنقرة، خلطا للأوراق مع تصاعد حرب رسم الخرائط واستعدادا لجديد ما بعد تنظيم الدولة بالعراق".
وأرسلت القوات التابعة لحزب العمال الكردستاني، الجمعة، مقاتليها إلى مدينة كركوك لمساندة القوات الأمنية التي تشتبك مع تنظيم الدولة، مبينا أن هذه القوة تضم قناصين مهرة وسيقومون بدعم القوات الأمنية في الاشتباكات ضد التنظيم.
الموصل وتركيا
وعن تأثير الأحداث في كركوك على معارك الموصل قال الأعظمي: "بالتأكيد لأحداث الموصل تأثير إذا ما تم فتح جبهة حرجة لبغداد أمنيا وسياسيا، ونحن كنّا أمام وثيقة مخابراتية عراقية أشارت وبوضوح إلى نية تنظيم الدولة مهاجمة كركوك، وهو ما يؤكد ضعف المؤسسة الأمنية العراقية ويطعن في أهلية تعاملها مع الجهد الاستخباري".
وأعرب عن اعتقاده أن أمر
تركيا وشراكتها في معركة الموصل أمر محسوم من خلال توفيرها الغطاء الجوي مع التحالف الدولي وتحقيقا لمصالح إقليمية، ولكن الخشية هي من إرادة دولية لإقحام مليشيات "pkk" أو "pyd" لجر تركيا إلى حرب استنزاف في الأرض العراقية ضمن سياسية التوريط التي تحاول قوى إقليمية فرضها على المنطقة.
ومن جهته، قال الدكتور عدنان التكريتي، الباحث في الشأن العراقي، إنه "عند جمع الحقائق اليوم فإننا نخرج بحصيلة مفادها أن الأمريكان عندما اقتربوا من تركيا أخيرا، فإن
الإيرانيين قاموا من خلال المليشيات التركمانية التابعة لهم وبيشمركة الاتحاد الوطني الكردستاني، بفتح المجال أمام تنظيم الدولة لدخول كركوك".
وأشار التكريتي في حديث لـ"
عربي21"، إلى "ضرب كركوك لصرف الأنظار عن الموصل والتحشيد المستمر لها وتهبيط معنويات البيشمركة والعسكر هناك؛ وهذا يعني ضربة للاستراتيجية الأمريكية في العراق وإرسال رسالة واضحة للأمريكان بأنه في حال الدخول التركي فإننا سنحرق كركوك أولا".
وكان وزير الدفاع الأمريكي جيمي كارتر، تباحث أمس الجمعة، مع القادة الأتراك ومن ضمنهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بشأن المعارك الجارية في الموصل، فيما وصل اليوم إلى بغداد لبحث الموضوع ذاته والترتيب بين الجانبين.
وعرض التكريتي جملة من "الحقائق" حول طرحه، قائلا إن "عناصر تنظيم الدولة استهدفوا في حي دوميز مقر الديمقراطي تحديدا دون الاتحاد الوطني، فيما ظلت قوات مكافحة الإرهاب القادمة من السليمانية متفرجة في الخطوط الخلفية، أي خلف الأهالي الذين حملوا السلاح وقاتلوا التنظيم طواعية".
وأشار التكريتي نقلا عما استطلعه من الداخل الكركوكي إلى أنه "لم نر أي مسؤول من الاتحاد من المحافظ وغيره ينزل مع المقاتلين، عكس الهجوم المماثل في 31 كانون الثاني/ يناير من العام الماضي".
ولفت إلى أن "التعاطي مع الحدث من الحكومة العراقية كان مخزيا سواء على الصعيد الإعلامي أو في الميدان"، لافتا إلى أن "طائرات التحالف قصفت (سهوا !!!) قوات من البيشمركة التابعة للاتحاد جنوب غربي كركوك، أي المتخندقة في الحدود ضد داعش؛ وراح ضحيته ضابط برتبة لواء مع عدد من حمايته".
وأكد التكريتي أنه "من خلال استعراض تصريحات نواب الاتحاد الوطني في البرلمان، فإننا نجد كلامهم سياسيا أكثر مما هو أمني، ودون وضع النقاط على الحروف أو تحليل الخروقات الحاصلة كعادتهم، فكلامهم كان في واد والوضع في واد آخر تماما"، بحسب تعبيره.
وأعرب عن اعتقاده بأنه "إذا شهد الاقتراب الأمريكي التركي تطورا، فمعناه أن كركوك وربما مناطق أخرى معها ستشهد توترا أمنيا متصاعدا، الهدف منه هو إرباك المشهد على صانع القرار الأمريكي ليس إلا"، على حد وصفه.
وتشهد محافظة كركوك لليوم الثاني، اشتباكات عنيفة بين تنظيم الدولة من جهة وبين الأجهزة الأمنية في المحافظة، تساندها قوات قادمة من إقليم كردستان وبغداد، إضافة إلى الحشد الشعبي التركماني (الشيعي) وعناصر من حزب العمال الكردستاني من جهة أخرى.
وأسفرت الهجمات التي نفذها تنظيم الدولة حتى الآن عن سقوط أكثر من 140 شخصا بين قتيل وجريح، وتحرير الرهائن، حسبما ذكرت وسائل إعلام محلية نقلا عن مسؤولين بالمحافظة.
إلى ذلك، قالت مليشيا "حركة النجباء"، السبت، إن قواتها المنضوية تحت الحشد الشعبي جاهزة للمشاركة في عمليات السيطرة على مناطق كركوك وهي تنتظر الموافقات الحكومية، معتبرة أن "كركوك فيها حواضن خطيرة لداعش، وأن هناك دعما لوجستيا يقدم لعناصر التنظيم من داخل المدينة".
ودعت "النجباء" المدعومة إيرانيا، رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، إلى عدم السماح لقوات كردية إيرانية بالمشاركة في القتال الدائر في الموصل، محذرة بارزاني من "عواقب وخيمة" جراء ذلك، حسبما ذكر بيان لها اليوم.