وصفت منظمات للعمل المدني والحقوقي في
مصر مسودة مشروع قانون
الجمعيات الأهلية، الذي أحالته حكومة عبد الفتاح السيسي إلى مجلس النواب، مطلع الأسبوع الجاري، بـ"النكسة الجديدة" لعمل
المنظمات الأهلية في مصر، متهمة سلطات الانقلاب بمعاداة العمل الأهلي، والعمل على تجريمه، والتهديد بحبس العاملين فيه.
وتتلخص أهم الانتقادات والاعتراضات على المشروع الجديد؛ بقيامه على مبدأ الهيمنة والوصاية على الجمعيات الأهلية، وفرض قيود على إنشاء وإشهار الجمعيات، وحصرها في الميادين التنموية. كما يعطي المشروع موظفي
الشؤون الاجتماعية الحق في دخول الجمعية، والتفتيش في أوراقها، والتدخل في إدارتها.
والعائق الأكبر هو شرط ارتباط التمويل الخاص بالجمعيات بموافقة اللجنة التنسيقية المكونة من خمس وزارات، هي: وزارة التضامن، والخارجية، والتعاون الدولي، والداخلية، والعدل، وثلاث جهات هي: هيئة الأمن القومي، والمخابرات العامة سابقا، والبنك المركزي، ومجلس الدولة، وفق المادتين 14 و48.
قانون بوليسي
وأطلق مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، جمال عيد، نداء لرفض مسودة المشروع، الذي وصفه بـ"القانون البوليسي".
وقال عيد لـ"عربي21": "المسودة الجديدة أسوأ من قانون 84 لسنة 2002، الذي طالبنا جميعا بتغييره؛ بسبب القيود التي كان يفرضها على عمل تلك المنظمات، ولا يساعد في ترسيخ ثقافة العمل المدني".
وأكد أن "المسودة الجديدة أخت القانون القديم إن لم تكن أسوأ، فهي تقيد عمل الجمعيات الأهلية، وتجعل منها مكاتب خاصة تديرها وزارة التضامن الاجتماعي، التي تقف أجهزة الأمن خلفها"، مشددا على أن تمرير القانون "يهدم العمل المدني برمته"، وفق قوله.
وبشأن المادة التي تنص على أن تأخذ الحكومة المصرية نسبة من التمويل الذي تحصل عليه الجمعيات لصالح صندوق "دعم الجمعيات الأهلية" الذي تديره وزارة التضامن، قال عيد: "لا يحق للدولة أن تأخذ جزءا من أموال الجمعيات، إلا أن القانون غامض في هذه الجزئية، ولم يوضحها في اللائحة التنفيذية".
من سيئ لأسوأ
من جهته، انتقد الباحث القانوني في الاتحاد المصري لحقوق الإنسان، حسين حسن، مسودة مشروع القانون، وقال لـ"عربي21": "في كل مرة يتم فيها تعديل القانون يسير من سيئ إلى أسوأ"، مشيرا إلى أن مشروع القانون الحالي "تحاول الدولة فيه ممارسة سلطة مطلقة على عمل منظمات العمل المدني".
وأكد أن "الأزمة الحقيقية في القانون هي جعل العمل المدني وتمويله كله تحت إشراف ومراقبة وسلطة الجهات الأمنية، مع أنه من المفترض أن هذا مجتمع مدني ومعظمه خيري، ولا تمثل الجمعيات الحقوقية سوى العدد الأقل"، متسائلا: "كيف يغلق المجال العام أمام مئات الجمعيات الخيرية، ويجعلها في دائرة التهم والشبهات، بدلا من تشجيعها وفتح المجال أمامها".
ورفض نهج الحكومة في وضع مشروع القانون، قائلا: "عندما أقرت الحكومة المسودة لم تأخذ برأي المنظمات والجمعيات، ولا بتوصياتها، وسارت قدما في نهجها، بالتضييق عليها بما يخالف الدستور المصري والاتفاقات الدولية والتوصيات التي قبلتها مصر أمام الأمم المتحدة في العام 2014".
وهاجم بقوة ما تضمنته التعديلات الجديدة بشأن العقوبات، مشيرا إلى أنها "لا تقتصر على فرض غرامات على المنظمة أو الجمعية، أو حتى إغلاقها، بل هناك عقوبات تصل إلى الحبس"، مضيفا أن الدولة "ترفض مراقبة الجمعيات الأهلية ورصدها أخطاء جهات الإدارة، سواء كانت تتعلق بحقوق السجناء أو المرأة أو الطفل، وأن تنأى بنفسها عن الجهات الأمنية".
تهديدات بالسجن
بدوره، حذر أمين عام مؤسسة الدفاع عن المظلومين، محمد أبو ديار، من استمرار التضييق على العمل المدني، وقال: "هناك مخاطر تهدد من يعمل بالعمل الأهلي، باستثناء الجمعيات التي ينحصر اهتمامها بعيدا عن العمل الحقوقي المتصل بشكل أو بآخر بالسلوك الأمني للأجهزة الأمنية".
وأشار، في حديث لـ"عربي21"، إلى أن "المجال العام مفتوح قليلا أمام المنظمات المهتمة بالصحة والتعليم وحقوق المرأة والطفل، ما دامت بعيدة عن مراقبة ورصد انتهاكات المؤسسات الأمنية والقضايا السياسية، بالرغم من تقلص عددها بعد أحداث تموز/ يوليو 2013 وإغلاق آلاف الجمعيات".
وانتقد حالة الاستنفار في الإعلام المصري ضد العمل المدني، قائلا: "نحن في زمن حرب، كما يقولون في الإعلام، وأي كلام عن الدولة وسياستها بالنقد ممنوع"، مشيرا إلى واقعة "تحدث أحد النواب بالبرلمان فيها عن معاشات ضباط القوات المسلحة الذين يتقاضون رواتب من وظائف أخرى، فهاجمه رئيس المجلس، وقال له: ممنوع الحديث في هذا الأمر أو التعقيب عليه".
البرلمان سيمرر القانون
كما هاجم الناشط الحقوقي بمركز هشام مبارك، تامر علي، مشروع القانون الجديد، وقال لـ"عربي21": "الدولة بصفة عامة ضد سياسات عمل منظمات المجتمع المدني، وتشل عملها، وتقيد دورها، سواء في المجال الحقوقي أو المجتمعي والتنموي".
وتوقع ألا ينصف البرلمان العمل المدني، قائلا: "لن يحرك مجلس النواب ساكنا فيما يتعلق بمسودة مشروع الجمعيات الأهلية، وأتوقع الموافقة عليه؛ فالنواب غير معنيين بالعمل الحقوقي في البلاد"، مشيرا إلى أن "أغلب النواب ينفذون رغبات السلطة، ولا يمارسون دور الرقابة، إنما يساعدونها في تمرير ما تريد من
قوانين"، وفق تقديره.
واعتبر أن أي مشروع لقانون يخالف أسس العمل المدني "من شأنه تقويض عمل مؤسسات المجتمع المدني، الذي يعد خط الدفاع الأول للمواطنين ضد تجاوزات أو انتهاكات الحكومة والأجهزة الأمنية في كافة المجالات".