يبدو أن اعتماد
مصر منذ الانقلاب على
المساعدات الخارجية، خصوصا من دول الخليج، قد انعكس على الخطوط العامة لسياستها الخارجية، وجعلها مرهونة وفقا لمسارات ومصادر
التمويل، التي أصبحت شريان الحياة بالنسبة لنظام الانقلاب، وفق ما يراه مراقبون.
وتحدث قائد الانقلاب عبد الفتاح
السيسي، في مناسبات عدة، عن ضرورة الاعتماد على النفس، متسائلا في كلمة في شباط/ فبراير 2015، عقب وفاة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبدالعزيز: "هو إحنا ما نقدرش نبقى لوحدنا ولا إيه، ونعتمد على نفسنا؟! وهل الأشقاء هيصرفوا علينا ولا إيه؟!".
وتساءل السيسي حينها: "إحنا ما نقدرش كمصريين نعمل دا! الدولة لن تقوم إلا على أكتاف رجالها، وعلينا أن نبني اقتصادنا الذي هو ذراع مصر".
اللعب على الحبال
إدراك النظام المصري لحاجته للمال جعلته يلعب "على كل الوجوه"، كما يقول مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، إبراهيم يسري.
وأضاف لـ"
عربي21": "مصر ليست لديها سياسة خارجية مستقلة، وهي كما يقولون "تلعب على الحبلين". فتصويت مصر بالأمم المتحدة على القرارين الروسي والفرنسي بشأن سوريا خير دليل على طبيعة تلك السياسة".
وأكد يسري أن "سياسة مصر متذبذبة، ولا يمكن أن تحسبها على أي طرف، فهي مع جميع الأطراف، ومع الطرف الخاطئ في الوقت الخطأ، وهي تظنها "فكاكة" أي "شطارة"، لتفقد بذلك دورها القيادي والتاريخي"، وفق تقديره.
ويرى السفير يسري أن استقلال مصر في سياستها الخارجية بات مرهونا بتحسن الأوضاع الاقتصادية، "والارتقاء بمستوى معيشة المواطن"، وكسب ثقة الاستثمار الخارجي، "وهو ما لن يحدث؛ بسبب سياسة الجيش الفاشلة في إدارة البلاد سياسيا واقتصاديا وأمنيا"، كما قال.
وشدد على أن "الدولة المفلسة والفاشلة لا تملك سياسة خارجية؛ فهي إما أن تبحث عن دعم أو أموال، وتستغل حجمها ومكانتها في الحصول عليهما مقابل مواقف متلونة، وربما تبيع موقفها من قضية ما مرتين لحليفين متخاصمين".
لا استقلال في غياب السيادة
أما رئيس المعهد الأوروبي للعلوم القانونية والسياسية، محمود رفعت، فذهب إلى القول بأنه "عندما يُفرط نظام السيسي في سيادته، فلا يُتصور الحديث عن استقلال سياسته".
وقال رفعت لـ"
عربي21": "كل المؤشرات تدل على أن هذا النظام فرّط في أرضه وحدوده لصالح إسرائيل واليونان والسعودية"، وفق قوله.
وأرجع رفعت جانبا كبيرا من عدم استقلال سياسة مصر الخارجية إلى "عدم تعويل السيسي على الداخل في كسب التأييد والشرعية، ولديه قناعة بأن الشعب لن يختاره إذا ما أجريت انتخابات رئاسية أخرى، ويحاول استخدام أوراقه الخارجية في مواجهة القلاقل الداخلية؛ بسبب سياساته التي أضرت بالمصريين".
ورأى في الوقت نفسه أن "السيسي غير قادر على تحقيق تنمية حقيقية أو الاستغناء عن أموال الخليج"، ولكنه استدرك قائلا: "إلا أن الخليج لم يعد لديه ما يمنحه للسيسي، لذلك نراه اندفع نحو المعسكر الروسي الإيراني لاستخدامه ورقة ضغط على حلفاء الأمس"، كما قال.
واستبعد رفعت أن "يتحقق للنظام المصري بقيادة السيسي أي استقلال خارجي كامل في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية، وتوتر الأوضاع الأمنية في سيناء"، مشددا على أن الفترة المقبلة "لن تشهد أي استقلال أو استقرار تحت قيادة نظام السيسي؛ لأنه غير مؤهل للقيادة".
من جهته، رهن النائب البرلماني السابق، ثروت نافع، استقلال أي نظام بتحقيق الديمقراطية.
وقال لـ"
عربي21": "ليس هناك استقلال لأي نظام إلا إذا كان ديمقراطيا، ويخضع للمراقبة والإرادة الشعبية"، مضيفا: "عندها فقط تستطيع الدولة أن تتحرر من أي تأثيرات خارجيه تتعارض مع مصالحها الوطنية التي يقبل بها الشعب".
وتابع: "لذلك حينما زعم نظام السيسي الرغبة في الاستقلالية، فهو يلقي بأعبائها على الشعب فقط؛ لأنه يعلم أنه نظام سلطوي يخضع لرغبة حاكم ديكتاتور يستأثر بالقرار وحده دون الشعب"، أي أنها "مراوغه منه من أجل تحميل أعباء قادمه على الوطن، فيكون المسؤول عنها الشعب وليس السلطة التي تتحكم فيه"، على حد قوله.
البداية منذ كامب ديفيد
أما الباحث الأمني في المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية في مصر، أحمد كامل البحيري، فرأى أن تراجع دور مصر "يعود إلى تاريخ توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل".
وقال البحيري لـ"
عربي21": "منذ ذلك الوقت بدأ يحدث تراجع كبير لدور مصر الإقليمي، وبدأت ترتبط بعلاقات تفرضها أجندات اقتصادية أو تسليحية، لصالح بعض الفاعلين الآخرين، مثل تركيا وإيران، وأخيرا السعودية".
وأضاف: "بعد 30 حزيران/ يونيو 2013، بدأ ما يسمى محاولة إعادة إحياء دور مصر الخارجي، ولكن أدواتها الخارجية كانت تلاشت نتيجة التراكمات السابقة"، مشيرا إلى أن "تخليق أدوات جديدة يتطلب أوقاتا طويلة لإبراز دورها على المستوى الإقليمي"، كما قال.