تسببت الأزمة الاقتصادية التي تمر بها
مصر، في تغيير نمط الحياة اليومية للمصريين، ودفعهم للتخلي عن الكثير من عاداتهم المتوارثة منذ عقود؛ بسبب ضيق ذات اليد.
وأحيا
الغلاء، الذي تفاقم بعد
تعويم الجنيه ورفع الدعم عن المحروقات، الكثير من المهن القديمة التي اختفت من المجتمع، وعادت لحياة المصريين مجددا، في محاولة منهم للتغلب على ارتفاع الأسعار.
عادات الزواج تتغير
وقالت المواطنة داليا أحمد لـ"
عربي21"، إنها اضطرت إلى التخلي عن كثير من تقاليد الزواج المعتادة عندما تمت خطبتها منذ أسبوعين تقريبا، فلم يقدم لها خطيبها "الشبكة الذهبية" واكتفت بـ"خاتم ودبلة"، كما أنها أقامت حفلا محدودا للخطوبة في منزل عائلتها، وليس في قاعة مناسبات.
أما خطيبها محمود يحيى؛ فقال إنه اتفق مع أهل العروس على عدم إقامة فرح في أحد الفنادق بسبب ارتفاع التكاليف التي تفوق قدراته بكثير، مشيرا إلى أنه سيكتفي بعقد القران في قاعة ملحقة بأحد المساجد.
من جهته؛ قال أيمن السعيد (41 عاما)، إنه قرر الذهاب إلى "الجزمجي" لإصلاح حذائه القديم لأول مرة منذ سنوات طويلة، بعدما شاهد الارتفاع الكبير في أسعار الأحذية الجديدة، مضيفا أنه كان في ما مضى يستغني عن الحذاء القديم إذا تعرض لتلف بسيط، لكن هذه الأيام ولّت، وأصبح شراء حذاء جديد ضربا من الرفاهية، على حد قوله.
الدلالة تعود
وقالت منى محمود، إنها تدرس جديا العمل في بيع الملابس الجاهزة بالتقسيط، في إحياء لمهنة "الدلالة" التي عرفها المصريون لعقود، موضحة أنها لن تمر على البيوت كما كانت تفعل "الدلالة" قديما، ولكنها ستلجأ إلى مواقع التواصل الاجتماعي للتواصل مع زبائنها، بينما تسلم المشتريات لهم في محطات المترو.
أما فردوس عبدالله، ربة المنزل التي تعمل موظفة حكومية، فأكدت أنها اشترت مؤخرا ماكينة خياطة لتعمل عليها في البيت، حتى تساعد زوجها على نفقات المعيشة المتزايدة، مشيرة إلى أن فكرة هذا المشروع جاءتها بعدما لاحظت تحول الكثير من جيرانها وأصدقائها إلى تفصيل ملابسهم هربا من ارتفاع أسعار الملابس الجاهزة.
وأوضحت فردوس أنها تلقت دورات مسائية في تعليم قواعد التفصيل، وبدأت بالفعل في تنفيذ بعض الطلبات البسيطة، أملا في زيادتها في المستقبل القريب.
ترشيد الجلوس على المقاهي
أما المقاهي الشعبية المنتشرة في المناطق المختلفة؛ فشهدت هي الأخرى الكثير من التغيرات جراء ارتفاع الأسعار، وتدهور الأحوال الاقتصادية للزبائن، الذين قلص معظمهم من عدد مرات جلوسهم على المقهى، بالإضافة إلى عدد المشروبات التي كانوا يتناولونها هناك.
وقال رمضان إمام، وهو صاحب مقهى بمحافظة الجيزة، إنه استبدل منذ أسبوع بالأكواب التي تقدم فيها المشروبات أخرى أصغر حجما، للتحايل على أزمة نقص السكر الذي تضاعف سعره في السوق السوداء، كما أنه اضطر إلى إلغاء كثير من المشروبات التي تستهلك كميات كبيرة من السكر، مثل العصائر.
وأضاف أنه لا يمكنه رفع الأسعار بشكل صريح؛ لأن الزبائن أصبحوا أقل بكثير من ذي قبل، كما أن معدل إنفقاهم أصبح منخفضا للغاية، "وإذا رفعنا الأسعار؛ فسينصرفون تماما عن المقهى".
تغير نمط الحياة
من حانبه؛ قال الخبير الاقتصادي بمعهد التخطيط القومي، إبراهيم العيسوي، إن الوضع الاجتماعي للفقراء وأصحاب الدخول المنخفضة والطبقة الوسطى في تدهور مستمر، حتى من قبل ارتفاع الأسعار وتعويم الجنيه، مرجعا ذلك إلى ضعف النمو الاقتصادي، وارتفاع معدل البطالة، وانحياز الدولة للأغنياء في توزيع الدخل والثروة.
وتوقع أن يزداد وضع الفقراء تدهورا؛ بسبب غرق
الاقتصاد المصري في بحر التضخم الجامح بعد تعويم العملة المحلية، وتخلي البنك المركزي عن ضبط حركة سوق النقد الأجنبي، مؤكدا أن الإجراءات التي قد تتخذها الدولة لتخفيف الأعباء عن الفقراء "أضعف كثيرا مما يلزم لمواجهة هذه الموجة العاتية من الغلاء".
وأضاف لـ"
عربي21" أن كل هذه الضغوط كان لها تأثير على حياة المصريين، وخاصة الطبقة الفقيرة والمتوسطة، حيث إنها دفعتهم إلى تغيير نمط حياتهم، والاستغناء عن أمور ترفيهية كانت موجودة في معيشة كثير من الأسر منذ القدم، "كما أن أسرا كثيرة أصبحت تبحث عن أعمال إضافية، وخصوصا رب الأسرة الذي صار من الممكن أن يعمل في وظيفتين أو أكثر من أجل توفير احتياجات أبنائه".
وبيّن أن ارتفاع الأسعار أعاد فكرة الاعتماد على الأعمال البديلة لربة المنزل، كالخياطة وبيع الملابس، وغيرها من الأعمال التي كانت تمارسها الأمهات المصريات قبل فترة طويلة، مشددا على أن السياسات الحكومية الحالية هي "استمرار للفشل الاقتصادي، وللفلسفة التي ثبت عدم فاعليتها".