يعيش أبناء مخيم عين الحلوة للاجئين
الفلسطينيين؛ هاجس تحول منازلهم الى ما يشبه الزنزانات داخل سجن كبير، بعد أن شرعت السلطات
اللبنانية ببناء جدار يفصل المخيم عن محيطه اللبناني، لـ"أسباب أمنية".
ويعد مخيم عين الحلوة أكبر
مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ويقدر عدد سكانه بحوالي 80 ألف نسمة.
وتتخوف فصائل فلسطينية من تداعيات أمنية قد يسببها هذا الجدار في حال لم يتم العدول عنه، في وقت أفادت فيه مصادر متطابقة من الفصائل الفلسطينية عدم علمها المسبق بتفاصيل بناء الجدار، في صيغة معدلة عن الصيغة التي وافقت عليها قبل سنوات، والتي تهدف لتشييد فواصل تضبط الأوضاع الأمنية في المخيم ومنع أي اختراقات.
وتتواجد في مخيم عين الحلوة، الواقع قرب مدينة صيدا الساحلية في جنوب لبنان، فصائل ومجموعات مسلحة عدة، أبرزها الأذرع العسكرية لحركة فتح، ومجموعات إسلامية متنوعة.
وفي معلومات خاصة حصلت عليها "عربي21"، من مصدر فلسطيني رفض الكشف عن اسمه، فإن "المضي في بناء الجدار على هذا النحو جاء بعد ضغوط دولية، ولضمان استخراج النفط من بحر لبنان وفق العقود المنوي إبرامها بين الشركات والدولة اللبنانية". ونفى المصدر أن يكون "الهاجس الأمني هو الدافع الأول للإسراع في بناء الجدار حول المخيم".
ويبلغ ارتفاع الجدار ستة أمتار، وارتفاع الأبراج تسعة أمتار. وينتظر أن يحيط الجدار بالمخيم من منطقة درب السيم إلى منطقة الأيتام، علما أن مساحة المخيم لا تتجاوز كيلو متر واحد.
وسيستغرق العمل في الجدار نحو 15 شهراً، تحت إشراف ضباط من الجيش اللبناني. ووفقا للمصادر، فان شركة المقاولات التي استلمت المشروع؛ قامت بتلزيم شركات صغيرة بأعمال تنفيذية في المشروع.
الخروج عن الاتفاق السابق
وقال فؤاد عثمان، القيادي في الجبهة الديمقراطية في مخيم عين الحلوة، في تصريحات خاصة لـ"عربي21"، إن قرار بناء الجدار ليس حديثا، "فهو صدر منذ عام 2012 من قبل هيئة الأركان في الجيش اللبناني ووزارة الدفاع، وتم إخطارنا كفصائل بأن الهدف من البناء هو لضمان أمن محيط المخيم من منطقة درب السيم الى منطقة الميتم، وكذلك منع تسلل المطلوبين من وإلى المخيم".
وتابع: "تمت الموافقة من قبل الفصائل على القرار على اعتبار بأنه يعزز الأمن ويخفف الهواجس اللبنانية بشأن المخيم، لكن ما تفاجأنا به في شهر أيلول/ سبتمبر؛ هو بالبدء في أعمال تنفيذ للجدار على غير النحو السابق الذي تم إخطارنا به، فقد تبين لنا تشييد أبراج على ارتفاع تسعة أمتار دون علم القوى الفصائلية في المخيم"، وفق قوله.
وحذّر عثمان من تبعات هذا الجدار الحديث بالنسبة لأهالي المخيم، وقال: "هناك خطأ بعدم إبلاغ الفصائل ووضعهم في تفاصيل وطريقة بناء الجدار الحديث، على اعتبار بأننا معنيون بأمن المخيم واستقراره، عدا عدم نص الاتفاق أصلا على الأبراج، إضافة الى أن الجدار الذي يراد تشييده سيكون ملاصقا لمنازل الأهالي، ما يشكل عليهم عبئا إضافيا وشعورا بأنهم مسجونون داخل بيوتهم".
ورأى عثمان أن أي خطوة كهذه "يجب الانطلاق منها بعد حل المشاكل الإنسانية المتراكمة التي يكابدها اللاجئون في عين الحلوة، وذلك لإزالة أي ظاهرة أو توترات أمنية مفترضة لا تحمد عقباها".
ونقل عثمان عن أهالي المخيم قولهم بأن هذا الجدار يمثل "معتقلا كبيرا لهم في ظل وجود الأبراج والأسلاك الشائكة؛ وغيرها من الحواجز التي تستخدم عادة في السجون".
الخوف من التداعيات
واستغرب عثمان بناء الجدار إلى جانب الأبراج "التي تبتعد مترا أو اثنين على أبعد تقدير عن المنازل، وكأنها عين رقيبة لخصوصيات المواطنين، وهذا أمر خطير له تداعياته بالنسبة للأهالي المحافظين بطبيعتهم"، على حد قوله.
وحذر من إمكانية حدوث "إشكاليات كبرى في حال الإبقاء على مخطط الجدار وفق ما يتم البناء به"، مشددا في الوقت عينه على "السعي للمحافظة على الأمن والاستقرار والقانون اللبناني".
وأكد ان القوى السياسية الفلسطينية بمختلف أطيافها "حريصة على عدم حصول خرق أمني، فالجيش اللبناني بالنسبة لنا جيش وطني"، لكنه لم يستبعد "قيام مندسين أو أصحاب أهداف أمنية وسياسية من محاولة العبث الأمني، وكذلك هناك احتمالية أن تكون هناك ردات فعل فردية من بعض أصحاب المنازل، فالمؤكد أن الاقتراب من المخيم بصيغة أمنية يعزز فرضية الاشتباكات التي لا نريدها ابدا"، وفق قوله.
ودعا عثمان القيادة اللبنانية إلى "معالجة قضايا اللاجئين الفلسطينيين من الزاوية السياسية والإنسانية، وليس من الزاوية الأمنية، على اعتبار أن الفلسطينيين في لبنان هم ضيوف وأصحاب قضية، ولم يتواجدوا على أرض لبنان بإرادتهم"، على حد تعبيره.
وعن الاتصالات مع الطرف اللبناني لإيجاد حل للموضوع، قال عثمان: "وكّلت القيادة السياسية العليا الفلسطينية في لبنان؛ اللجنة الأمنية للتواصل مع قيادة الجيش في منطقة صيدا ومع العميد خضر حمود، وتم نقل المخاوف له، وكان الرد إيجابيا، وذلك بتفهم هواجسنا، وتم الاتفاق على العمل المشترك لتجاوز المشاكل والثغرات".
دعوات إلى الحوار
من جهته، قال المنسق العام لتجمع اللجان والروابط الشعبية في لبنان، معن بشور، لـ"عربي21"، إن "أهالي مخيم عين الحلوة، كما باقي أهالي المخيمات الفلسطينية في لبنان، يحتاجون جسورا وليس إلى جدران".
وأضاف: "يتطلب ذلك التواصل بينهم وبين جوارهم والدولة اللبنانية ومؤسساتها، وكذلك على الجميع مد جسور الدعم والتفهم لأوضاعهم الإنسانية الصعبة، إضافة إلى ضرورة تكريس مبدأ التعامل الإيجابي مع قضاياهم وإخراجهم من واقع الحرمان، وتفهم افتقادهم لأبسط مقومات الحياة الإنسانية"، وفق قوله.
واعتبر بشور أن حل أي أزمة بما فيها أزمة بناء الجدار في محيط مخيم عين الحلوة يجب أن يكون عبر "الحوار المتبادل والتلاقي بين جميع القوى المعنية على المستوى الفلسطيني- الفلسطيني أو الفلسطيني- اللبناني".
ودعا بشور جميع الأطراف التي لها علاقة بموضوع الجدار إلى "معالجة الأزمة من خلال احترام خصوصية المخيم ومشاعر أهله".
وحول ما يقال عن أجندة "العهد الجديد" في لبنان حيال المخيمات الفلسطينية، قال بشور: "على الدولة اللبنانية التعاطي مع ملف المخيمات الفلسطينية كجزء من الواقع اللبناني، والمخيم الفلسطيني لم يكن في يوم من الأيام خارجا عن منطق الدولة وما تريده".
ونصح بشور "العهد الجديد بمقاربة مسألة المخيمات بالانطلاق من خطاب القسم للرئيس اللبناني ميشال عون، والتمسك بحق العودة، إضافة الى توفير كل السبل للشعب الفلسطيني في المخيمات للصمود، عبر توفير كل حقوقه الإنسانية والاجتماعية، وذلك ما يعزز قدرته على مواصلة النضال للعودة، وليس كما يروج البعض بانها ستكون مبررا للتوطين"، وفق قوله.
وشدد بشور على أن جزءا كبيرا من اللبنانيين يعتبرون "همّ الشعب الفلسطيني في لبنان جزءا من همومهم"، ورأى أن موقف تلك الفئة من اللبنانيين "ثابت منذ زمن النكبة على احترام الفلسطينيين للقانون اللبناني، وتوفير الدولة اللبنانية كامل الحقوق الإنسانية للشعب الفلسطيني في لبنان".
وختم بالقول: "كل خروج عن هذه المعادلة يصب في مخطط التوطين أو لتهجير، وإن كنت واثقا من أن الفلسطينيين هم في مقدمة الرافضين للتوطين وهم الضحية الأولى لمخططات التهجير"، على حد تعبيره.