يعيش
المصريون المطاردون بفعل مواقفهم السياسية المناهضة لنظام الانقلاب في مصر معاناة لا تنتهي، ودائما ما يرددون شعار " لا اللي خرج مرتاح ولا اللي جوه مرتاح ".
ورغم أن بعض ممن لم يحالفهم التوفيق بالخروج من مصر، يغبطونهم على نعمة الأمن والحرية النسبية التي يتمتع بها هؤلاء المطاردون في البلدان التي فروا إليها، إلا أن كل مطارد منهم تقف وراءه قصة مأساوية، ويواجه مع وحشة الغربة التي أجبر عليها، مسلسل متواصل من المعاناة والتحديات.
وتختلف طبيعة التحديات والمعاناة، من شخص لأخر، بحسب عمره، ومهنته، وحالته الاجتماعية، وأيضا "القضائية"، ومؤهله الدراسي، فضلا عن طبيعة الدولة التي ساقته الأقدار للإقامة بها، ومدي تعاونها وعلاقتها بالانقلاب العسكري، سواء كانت إقامته في هذه الدولة باختيارها الشخصي، أو مجبرا على الإقامة بها.
"
عربي21" استطلعت في السطور التالية، بعض الآراء التي تعبر عن جزء من تلك المعاناة والتحديات اليومية والمعيشية التي يعاني منها من استطاع أن ينجو بنفسه من بطش
الانقلاب العسكري، وأذرعه الأمنية، والقضائية، وكيف يتغلبون عليها؟.
وبحسب محمود النمر، تبدأ معاناة المطارد قبل مغادرة الوطن، مؤكدا أنه ظل فترة يطارده السؤال نفسه: " ما الذي يجبرني على ترك وطني وعملي وأهلي وزوجتي ونحن على موعد بعد شهور قليلة لاستقبال مولودتنا الأولى؟".
وتابع: " إنه غياب الأمن، بعد أن أصبح الخوف يحيط بنا في الشوارع والطرقات والبيوت، ولم يعد هناك مجال للحركة ولا العمل سوى انتظار دوري في القتل أو الاعتقال أو الإخفاء القسري".
وأشار إلى أنه رأى كيف عبثت محاكم الانقلاب العسكري، بمستقبل العشرات من أصدقائه، وجيرانه، فضلا عن اختفاء الكثير منهم بالشهور دون أن يعلم أحد عنهم أي شيء، ثم يظهرون بعدها إما جثث هامدة ماتت تحت وطأة تعذيب أجهزة الانقلاب الأمنية، أو هياكل عظمية فقدوا غالبية وزنهم، وتغيرت ملامحهم من شدة ما تعرضوا له من التنكيل بهم، وإجبارهم على الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها".
وأضاف: " ثم تأتي بعد ذلك المرحلة المعقدة لرحلة الفرار، فغالبية الأسماء بالتأكيد مسجلة في قوائم الممنوعين من السفر، وبالتالي ليس أمامك سوى أحد الخيارين، إما أن تخاطر وتسافر من المطار، وتتبع الإجراءات الأمنية في استخراج تصاريح السفر، أو تبحث عن طريق غير شرعي وتخاطر في دروب الصحراء وتصبح حياتك رهن مافيا التهريب".
وقال خلال حديثه لـ "
عربي21" أنه بمجرد وصولك إلى بلد الإقامة، تبدأ رحلة أصعب من المعاناة، تبدأ بالتأقلم مع ظروف البلد خاصة إذا كانت بلدا غير عربية، ثم المرحلة المرة في البحث عن فرصة عمل، أو أي مصدر رزق يحقق لك على الأقل الحد الأدنى من المعيشة.
ولفت النمر، إلى أن المعاناة الأكثر ألما، " أن يتنكر لك الأصدقاء الذين تعول عليهم وسبقوك في المجيء شهورا أو سنينا، ورتبوا حياتهم على غيابك وأصبح حضورك زائدا، إلا ما ندر، فالكل يبحث عن كيف يكفى نفسه"، مؤكدا أن أصعب اللحظات قسوة على قلبه، ومرارة في حلقه لا تنتهي، عند سماع خبر ولادة ابنته " أول فرحته"، دون أن يكون بجوار زوجته، أو يحمل رضيعته، وهو لا يدري حتى هذه اللحظة متى يلتقي بها ويضمها إلى صدره.
"قهر الرجال" .. كلمات بدأ بها عبد الحميد دياب حديثه لـ "
عربي21" واصفا شعوره بعد 3 سنوات قضاها غارقا في البحث عن عمل يكفيه فقط ليعش في إحدى الدول الخليجية التي لجأ إليها هاربا من بطش النظام الانقلابي في مصر الذي لفق له الكثير من القضايا.
وقال أنه طوال السنوات الثلاث الماضية، ظل يبحث عن فرصة عمل كمدرس بإحدى المدارس دون جدوى، وهو الذي عمل مدرسا بالأزهر الشريف لأكثر من 20 عاما ، فبالرغم من هذه الخبرة الكبيرة إلا أنها لم تشفع له أمام قوانين هذه البلاد التي ترفض تعيين من كان تقديره أقل من جيد جدا في دراسته.
و أضاف انه يقتات من خلال إعطاء بعض الدروس الخصوصية التي بالكاد تكفيه لطعامه وشرابه ودفع إيجار السكن الجماعي الذي يعيش فيه ، مؤكدا أنه ترك أولاده الأربعة في مراحل التعليم المختلفة وبينهم طالبة في الثانوية العامة بدون عَائِل يعينهم إلا الله تعالى ومرتب زوجته التي تعمل مدرسة في إحدى المدارس أيضا.
وتابع وهو يحاول إخفاء ملامح القهر والعجز التي ارتسمت على وجهه " بقالي 3 سنين في الغربة، ومش عارف أسدد الـ 30 ألف جنيه اللى اشتريت بيهم الفيزا، أنا ما بنمش الليل من هم الديون، حسبي الله ونعم الوكيل في عبد الفتاح
السيسي والعسكر".
أما نادر كمال، الذي سافر إلى إحدى الدول الخليجية منذ ما يقارب العام عقب اعتقاله لعدة مرات داخل مصر فيقول أنه يقيم في هذه الدولة منذ عام بلا إقامة ، موضحا أن أحد الأشخاص أعطاه فيزا لكي يتمكن من دخول البلاد دون أن يصدر إقامة عليها لأنه لا يمتلك ثمنها الذي يتجاوز بسعر صرف الجنيه المصري بعد التعويم60 ألف جنيه".
وأضاف لـ "
عربي21": إنه وفقا لقانون الدولة، لم يعد يسمح له بالبقاء داخل البلاد سوى ثلاثة أشهر فقط، ولا يدري أن سيذهب وماذا سيفعل؟، وبلغة يملؤها الأسى قال: " أعيش على إعانات يجمعها بعض أصدقائي كل شهر لدفع إيجار السكن ومصاريف المعيشة، ولا أستطيع العمل حاليا لأن أي صاحب عمل يشترط أن يكون معي إقامة"، مشيرا إلى أنه فكر في الهجرة إلى دولة أخرى ولكنه لم يتمكن من استصدار تأشيرة هذه الدولة لأنه ليس لديه إقامة قانونية في البلد التي يقيم بها حاليا".
وحول دور السفارات والقنصليات المصرية، قال " السفارات تتعنت هي الأخرى، في استخلاص الأوراق المطلوبة، ويرفضون تجديد جوازات السفر للمناهضين للانقلاب العسكري، مما دفع الكثير من المصريين إلى شراء جوازات سفر من دول أخري.