لم تكد تمر 24 ساعة على اتفاق
التسوية الذي توصل إليه النظام السوري مع الأهالي والمقاتلين في مدينة التل المحاصرة الأسبوع الماضي، حتى عمد إلى خرقها باستهداف المدينة بالبراميل المتفجرة والقذائف المدفعية، في محاولة منه للضغط على السكان المحاصرين للرضوخ لبنود أكثر "إجحافا" بحقهم.
ومن أهم بنود الاتفاق الذي تم التوصل إليه الأسبوع الماضي، ما نشرته صفحة تنسيقية التل: خروج من يريد من مقاتلي المدينة بسلاحهم الفردي إلى الشمال السوري، وتسليم السلاح الباقي بالكامل إلى النظام السوري، إضافة إلى تسوية أوضاع المطلوبين.
وبموجب الاتفاق أيضا، يُمنح المتخلفون عن الخدمة العسكرية مدة ستة أشهر للالتحاق بالخدمة أو مغادرة البلاد، لكن هذا لا يشمل المنشقين عن قوات النظام، حيث لن يعودوا للخدمة.
وبينما لا يتضمن الاتفاق الإفراج عن المعتقلين من أبناء المدينة، يُفترض فتح الطريق الرئيسي أمام المدنيين. ولا يتضمن الاتفاق الإفراج عن المعتقلين من أبناء المدينة، ولكن يمكن أن تتم مناقشة ذلك لاحقا.
وستشكل لجنة من أهالي المدينة لإدارتها وحفظ الأمن فيها، وتعهد النظام بعدم دخول قواته إلى المدينة، إلا بمرافقة وطلب من هذه اللجنة، علما بأن هذه الأخيرة تعمل بإشراف النظام.
ويؤكد أحمد البيانوني، مدير تنسيقية مدينة التل، لـ"
عربي21"، أن النظام خرق
هدنة المفاوضات بالتقدم على محاور المدينة تزامنا مع القصف، وبعد تعليق الفصائل المفاوضات بسبب ذلك، بدأ النظام برمي البراميل المتفجرة من الطائرات المروحية، مشيرا إلى استمرار القصف والاشتباكات.
وتقول هبة، وهي ناشطة في المدينة، إن "الأهالي لم يطلبوا سوى بعض الأمان، وعدم تجنيد أولادهم في صفوف جيش النظام، لذلك اضطروا مرغمين للقبول بشروط الهدنة، رغم وجود بعض البنود التي شعروا أن فيها إجحافا كبيرا بحقهم، لا سيما بند توكيل لجنة من أهالي التل تعمل تحت إمرة النظام".
وبيّنت هبة لـ"
عربي21" أن الأهالي، بموجب الاتفاق، سيُحرمون من حق الاختيار أو التصرف بأي شيء إلا بإذن من هذه اللجنة، لا سيما أن من واجبات اللجنة إخبار النظام عن كل من سيحمل السلاح في المدينة أو قد حمله سابقا، "ما يحرم الفئة الأخيرة من حق مغادرة البلد مستقبلا بقصد العمل أو الدراسة، فبعض الشباب يعاني من وضع حرج، حيث تم تسليم اسمه على أنه حمل السلاح لكنه في الحقيقة لم يحمله، وفي المقابل لن تتم تسوية وضعه ما لم يسلم سلاحه، فكيف يسلم سلاحه وهو في الأصل لا يملكه، فهذه الأسباب دفعت الأهالي المترددين إلى التمسك بالتسوية".
وعن مجريات ما حصل في الأيام الأخيرة، تقول هبة لـ"
عربي21" بعد أن تم الاتفاق على بنود التسوية: "قبلت اللجنة بكل البنود المطروحة لكنها لم توقع عليها ما جعل الهدنة معلقة، فأبدى النظام رغبة بتطبيقها، وأمر المساجد بالنداء على الأهالي للعودة من حرنة إلى بيوتهم في التل، وبالفعل ما إن بدأ الأهالي بالرجوع إلى منازلهم، حتى اشتد القصف على المدينة بشكل جنوني، في محاولة من النظام للتقدم من جهة وادي موسى، وعندما استفسرت اللجنة عن سبب القصف طلب منهم النظام أن يتحلوا بسعة الصدر"، كما قالت.
وأصدرت لجنة المفاوضات في المدينة؛ بيانا طالبت فيه جميع المقاتلين باتخاذ "موقف جريء، بحق الأهالي في التل، وعدم جرهم إلى معركة ليسوا أهلا لها، فلا يمكن المغامرة بحياة أكثر من مليون نازح في المدينة غالبيتهم من النساء والشيوخ والأطفال"، محذرة من أن "النتائج ستكون كارثية إذا ما فشلت هذه التسوية". وختمت اللجنة بيانها بدعوة المقاتلين "إلى حقن دماء الأهالي والعمل على توطيد الأمن والسلام في المدينة لتبقى دارا لإيواء النازحين".
وبين حامد السحلي، وهو من أهالي المدينة ومطلع على الوضع فيها، أنه لم يشارك في المفاوضات إلا قلة من الفصائل لم يكن لها مفر من المشاركة؛ لأنه ليس لديها القدرة على تعطيلها أصلا.
وقال لـ"
عربي21": "تم التوقيع على الاتفاق بسرعة عجيبة، حيث حاولت الفصائل الإعاقة من ناحية استثارة حمية الناس، وعندما فشلت سلّمت للأمر، وبدأت الإجراءات لهذه التسوية، إلا أن النظام خرق الاتفاق، فاستغلت الفصائل هذا الموضوع وأوقفت العملية، وهنا صعد النظام مهددا، لكن الفصائل أصرّت".
ولفت السحلي إلى أنه "لم يعد هناك انسجام بين الفصائل ولجنة الأهالي التي تتبع لشخص واحد، هو ممثل اللجنة، والباقي من أعضاء اللجنة لا يريدون اتخاذ قرار، وهم عاجزون على الفصل بين مطالب بعض الأهالي وصمت الغالبية".
وأضاف السحلي لـ"
عربي21" أن قيادات عسكرية بالشمال شجعت الفصائل على رفض الاتفاق، وأن الفصائل الكبرى ستحاول فعل شيء، وذلك تزامنا مع توقف تنفيذ هدنة الفوعة - الزبداني.
وأشار السحلي في المقابل إلى أن "تعطيل النظام للهدن ليس أسلوبا جديدا أو خاصا بمنطقة التل، بل هو سياسة يتبعها في الضغط على المدن التي يريد السيطرة عليها وترهيب الأهالي فيها".